من بين سهول قضاء الشيخان تبرز كرفانات بيضاء تتناثر على جوانب طرق ترابية في مخيم النازحين مام رشان. يلعب بعض الأطفال الكرة، فيما يتجول بعض النازحين الأيزيديين من سكان المخيم لقضاء حاجياتهم اليومية، وتجلس بعض النساء على عتبات كرفاناتهن يرقبن الطريق الذي لا يأتي بجديد، فيما تنشغل نسوة أخريات بأعمال البيت طوال اليوم، ومنهن باكزا صالح حولو التي نجت هي وعائلتها من أسر داعش لتسقط فريسة المستقبل المجهول.
أنشئ مخيم مام رشان للنازحين عام 2015 على شكل مراحل من قبل عدد من المنظمات الإنسانية، ويحوي 1833 كرفان يسكن فيها 1535 عائلة بواقع 7410 فرد ليكون ملاذا مؤقتا للنازحين الأيزيديين لحين عودتهم إلى مساكنهم. يعيش النازحون فيه معتمدين على معونة شهرية من وزارة الهجرة والمهجرين العراقية وهي عبارة عن سلة من المواد الغذائية و الصحية. وفي أحيان أخرى تصلهم مساعدات مختلفة لكنها متقطعة من قبل منظمات دولية.
تسكن باكزا التي تبلغ من العمر 51 عاما والتي وقعت بيد عناصر داعش عند اجتياحهم قضاء سنجار ذي الغالبية الأيزيدية مع جميع أفراد عائلتها المكونة من 9 أفراد هذا المخيم بعد أن قضت مع أسرتها في الأسر ما يقارب ثلاث سنوات قبل تمكنهم من الهرب و النجاة بحياتها وحياة أطفالها. كانوا يسكنون سابقاً قرية ” الحاتمية ” القروية جنوب قضاء سنجار حيث كان زوجها منتسباً أمنيا ضمن قوات الشرطة المحلية.
تقول باكزا “تمت معاملتنا معاملة العبيد بعد أخذ بناتي الثلاثة (عزيزة ، لويزا ، لوزينا) على اعتبار أنهنّ سبايا ليتم بيعهنّ في اسواق الرق. نقلونا أنا و زوجي وأطفالي الباقين إلى قرية كسر المحراب في تلعفر التي كانت شبه مهجورة مع عوائل أخرى ليكون مكان سكننا البديل وكانت تتم حراسته من قبل عناصر تنظيم داعش. قضينا أياما صعبة تحت رحمتهم نتوسل بهم أن يخلو سبيلنا ولكن لم تكن هناك استجابة، إلى أن قررنا الهرب بعد أن هربت قبلنا عوائل وأفراد آخرون رغم الخطر ومعاقبة من يتم إلقاء القبض عليهم، وذلك بطلب من زوجي و ابني البكر الذين فضلوا البقاء للتمويه عليهم على أمل نجاح عملية هروبنا .”
وتتابع سرد قصتها قائلة: “كان لزاما عليّ تحمل مسؤولية البيت بعد نجاتي و البحث عن مأوى قبل كل شيء في إحدى مخيمات النازحين ومن ثم رعاية أطفالي”.
وتضيف “لا يمكننا تحمل المزيد ،الحياة صعبة جدا في المخيمات و مناطق سكننا الأصلي تعاني من الإهمال و الصراعات السياسية. يقولون إن هذه الانتخابات هي الفيصل وهي التي ستكون مفتاحا لحل مشاكل قضاء سنجار لكنني لا أتوقع ذلك. لقد قدمت منذ 2018 على برنامج استقبال عوائل ضحايا داعش و أجريت معنا ثلاث مقابلات بغية استقبالنا في استراليا ولكن لسوء الحظ توقف البرنامج وما عليّ الا المشاركة في الانتخابات و اختيار الأصلح”.
مدير منظمة يزدا الدولية حيدر الياس صرح في وقت سابق بخصوص استقبال كندا و استراليا للناجين الايزيديين قائلاً إن “كندا استقبلت حتى الآن 1400 شخص تقريبا منذ 2016 في برنامجها المستمر مع منظمتنا و هناك نية بإضافة 250 شخص آخر (لم الشمل) إضافة إلى مشاريع أخرى لمساعدة الأهالي في قضاء سنجار لتمكينهم من العودة إلى مناطقهم”.
ويوضح الياس “برنامج استراليا هو ايضا قام بمبادرة من منظمتنا مع الجانب الأسترالي منذ 2016 وهي مستمرة والحكومة الأسترالية اخذت حتى الآن ما يقارب 5700 تم تثبيتهم هناك بين من يتلقى المساعدة ومن يعمل و يدرس و ن المقرر أن تستقبل أكثر من 1000 شخص آخر قاموا بإجراء المقابلات وتم تأخير سفرهم بسبب ظهور فيروس كورونا وما رافقه من إجراءات بغلق المطارات بين أغلب الدول”.
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة الأولية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عموم العراق بلغت 41% لتبلغ نسبة المقاطعة 59% كأعلى نسبة مقاطعة منذ العام 2003.
وضع الفائز في الانتخابات حسب النتائج الأولية و النائب الأسبق في البرلمان العراقي عن قضاء سنجار (2010 – 2014) قائمقام قضاء سنجار محما خليل الذي حصل على أكثر من 17,000 ألف صوت، العمل على إعادة إعمار سنجار، وتحقيق العدالة للضحايا، وعودة الأهالي، وتعويض المتضررين، وتمليك الدور، وجعل سنجار منطقة آمنة خالية من الصراعات ضمن برنامجه الانتخابي .
وكذلك سيسعى خليل وفق برنامجه إلى تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والتي تنص على تطبيع الأوضاع وتعويض المرحلين وإجراء الاستفتاء في المناطق التي تسمى “المتنازع عليها” من بينها قضاء سنجار بين الحكومة المركزية في بغداد و حكومة إقليم كردستان للعمل على تنفيذ بنود اتفاقية سنجار بين بغداد و أربيل.
وقعت الحكومة العراقية و حكومة إقليم كردستان بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بإشراف دولي اتفاقية أمنية خاصة بإعادة الحياة إلى قضاء سنجار تنص على إخراج كل الفصائل المسلحة من داخل المدينة و إسناد مهمة حفظ الأمن لقوات الشرطة المحلية و جهاز الأمن الوطني ولكن لم تطبق الاتفاقية ونحن نقترب من مرور عام على توقيعها.
يرى طالب الماجستير في كلية الحقوق /جامعة الموصل زياد حجي أن ” النظام الانتخابي فرض علينا الدوائر الصغيرة وهذا سوف يمنعنا من التصويت لناس كفوءة خارج دائرتنا .. وطالما صوتي لن يكون لشخص كفوء خارج دائرتي ومجبر على الانتخاب لمرشحي دائرتي او اقاطع وانا غير مقتنع بالموجودين سواء الوجوه القديمة بسبب انهم مجربين و ولائاتهم واضحة مكشوفة و لم يقدموا اي شيء يذكر كنت اتمنى رؤية شخصيات جديدة بأفكار جديدة مجردة من انتماءات مرفوضة او يكون العراق دائرة واحدة او اقلها المحافظة دائرة واحدة حتى نستطيع التصويت لشخص كفوء ومحل ثقة بغض النظر عن كونه من اي دين او قومية خصوصا و أننا نفتقد إلى هكذا شخصيات مرشحة في الدائرة الثالثة/ سنجار”.
وتوقع حجي أن تكون نسبة المقاطعين (من الايزيديين) قليلة خصوصا في المخيمات لان الناس هناك تتقسم إلى ثلاث فئات حسب وصفه : فئة تخاف من المقاطعة لأن لديها تجربة مع الاستفتاء الذي حصل حول استقلال إقليم كردستان وفئة مستفادة من المرشحين شخصيا و أخرى مستفادة و خطيرة بنفس الوقت لأنها لا تميز بين الجيد والسيء اما في قضاء سنجار اعتقد الغالبية تشارك سواء بجهل او بمصلحة حزبية او شخصية”.
وفي الدائرة الانتخابية التي يتبعها المخيم وصلت نسبة المشاركة إلى 70.8% من مجموع 1،757 ناخب يحق لهم التصويت.
وحول النسبة المرتفعة هذا داخل المخيم تحدث الناشط فاضل حيدر (29 عاما) الذي يسكن المخيم ” المشاركة بهذا العدد لا تعني أبداً أن جميع من شاركوا يبحثون عن التغير أو وجود الأمل لتغير واقعهم البائس هذا منذ 7 سنوات رغم وجود البعض ممن انتظر قدوم الانتخابات على أمل أحداث تغير في سياسة الحكومة القادمة تجاه النازحين ولكن من حصلوا على أعلى نسب من الأصوات داخل المخيم كانوا مجربين و نوابا سابقين في البرلمان”.
ويضيف حيدر ” أغلبية الناس في المخيمات رغبوا بالمشاركة و تسجيل حضورهم خشية أن لا يقال لهم لماذا لم تشاركوا وهذا يعني أنهم ربما اختاروا من لا يلبي تطلعاتهم”.
صوت البرلمان العراقي في شهر آذار من العام الحالي على مشروع قانون الناجيات الإيزيديات و الذي عده المراقبون بأنه مهم جداً لإعادة ولو جزء من الحقوق لضحايا تنظيم داعش في العراق حيث تقول مدير عام دائرة شؤون الناجيات سراب الياس بهذا الصدد، “إقرار القانون في هذه الدورة البرلمانية مهم جداً من النواحي المادية والصحية والمعنوية حيث يتضمن شمولهن بالراتب وتوفير قطع أرض سكنية وفتح مدارس للتحصيل الدراسي وتوفير فرص عمل لتحسين حالتهن المعيشة والكثير من الأمور أخرى.”
البرلماني السابق وممثل الكوتا الأيزيدية صائب خدر تحدث عن دوره في المناقشات التي سبقت طرح قانون الناجيات للتصويت قائلاً: “ليس من السهل إكمال قانون بهذه الأهمية لشريحة عانت، وإقناع الأطراف الأخرى بالقبول به في ظل ظروف مثل هذه الظروف التي مرت على البرلمان من اندلاع مظاهرات و إقالة حكومة عادل عبد المهدي و تشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي و كذلك ظهور فيروس كورونا وما رافقها من إجراءات وتعطيل عمل البرلمان ولكن رغم ذلك نجحنا بتمريره”.
ويضيف خدر “اجرينا تغيرات على مسودة القانون التي تم تقديمها من قبل رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح بما يناسب تطلعات أهالي الضحايا وكيفية تشريع قانون يلبي طموحاتهم المشروعة و بالفعل نجحنا بذلك وتم إقرار القانون و نشره في الجريدة الوقائع الرسمية العدد 4621 بتاريخ 15-3-2021 ليصبح القانون نافذاً وفقاً للسياقات القانونية والدستورية”.
ايلخان اوسف (55 عاما) هي الأخرى تسكن مخيم مام رشان منذ 6 سنوات مع عائلتها تتحدث قائلة “عندما اجتاح عناصر داعش قريتنا (قرية عزير) جنوب قضاء سنجار وقعت بناتي الثلاث مع مجموعة من أفراد القرية بيد داعش، انتظرت سنوات وانا اذرف الدموع إلى أن تحقق المراد و تحررت اكبرهم سناً رمزية من بلدة تلعفر”.
وتضيف ايلخان “لم تبقَ رمزية بيننا كثيراً وقررت السفر إلى كندا مع شقيقها ضمن برنامج استقبال ضحايا داعش، سافرت وهي لا تعلم شيئاً عن شقيقتيها (رافده و سراب) اللتين تم سبيهنّ”. “لقد تحررت أصغرهن سراب من سوريا و بعدها تحررت رافده من مخيم الهول السوري الذي يحوي عوائل داعش”.
“لقد قدمنا اوراقنا إلى السفارة الأسترالية و نحن بانتظار إجراء المقابلة الأخيرة لكي نسافر. لا أريد السفر لكنني بنفس الوقت لا أريد إرسال بناتي لوحدهن، نحن مجبرون لأن الأوضاع في مدينة سنجار لا تبشر بخير و علينا البحث عن مستقبل أفضل لكي لا تتكرر المأساة بحق أطفالنا في المستقبل” ، قالتها إيلخان وهي لا تزال تنتظر إيعازا من القنصلية الأسترالية مثل الأربعين نازحا من المخيم الذين قدموا أوراقهم ولا زالوا ينتظرون.
في مارس/آذار 2021، صادقت الحكومة العراقية على “الخطة الوطنية لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية المحررة” والتي وضعتها وزارتي التخطيط والهجرة والمهجرين. لكنها فشلت في إنهاء ملف نازحي قضاء سنجار الذين يسكنون 16 مخيماً في محافظة دهوك.
ترجع باكيزا إلى الكرفان المخصص لهم داخل المخيم و كلها أمل أن هذه الانتخابات ربما ستغير ولو القليل من حياتها لوضع حد لمعاناة النزوح و السنوات التي تم قضاءها في أسر داعش و أخرى في المخيم لانتظار معونة غذائية أو صحية تسد جوعهم و حاجتهم للمال من خلال بيع الزائد عن حاجتهم و تقول و هي تمسح دموعها، “بيتنا الطيني المهجور منذ 7 سنوات لم يعد صالحا للسكن وليس بمقدورنا بناؤه من جديد، لدينا ذكريات مؤلمة هناك في القرية. لن أعود إليها إذا ما تحققت لنا فرصة مغادرة البلد”.
أُنجز هذا التقرير ضمن برنامج تغطية الانتخابات العراقية الذي نفذته منظمة “أوان ميديا” بدعم من منظمة دعم الاعلام الدولي (International Media Support )