١-رأينا مشاهد الدخان المرعبة وهي تعلو فوق سماء مخيم شاريا البائس -الذي بناه الهلال الاحمر التركي قبل قرابة سبعة اعوام، والذي لم يكن منذ البداية يصلح لمعيشة المواشي بسبب مادة النايلون الموجودة في قماش الخيمة وافتقارها للشروط الصحية، وكانت هندسة هذا المخيم تفتقر الى أبسط شروط السلامة. وأتذكر جيدا عام ٢٠١٤، حينما كنا نرافق الوفود الاجنبية الى المخيم، كنا نشكو لهم من هذه النقوصات الجوهرية. وبقي هذا المخيم بالذات فارغا عدة اسابيع لم يتم استلامه بسبب بعض الخلل حسبما اتذكر-. لكنه كان يبدو كمشروع للنازحين في حالات الطورائ تم بناءه لكي يغطي حاجة سريعة لعدة شهور لا أكثر. غير أن هذه الشهور استمرت سنوات!!!
٢-حينما هربت الوجبة الاولى من الكورد السوريين من بلادهم وتوجهوا الى اقليم كوردستان. استقبلهم أهالي دهوك والاقليم، مثل طباعهم الطيبة ودماثة اخلاقهم أحسن استقبال، فكان أهالي دهوك في الاسابيع الاولى يوفرون لهم ثلاثة وجبات طعام ساخن من المطاعم، وكان الاغنياء والفقراء على حد سواء يهرعون لمساعدتهم مثلما فعلوا مع السنجاريين. وزارهم الرئيس بارزاني رئيس الاقليم انذاك في تلك الايام، فوجدهم في تلك الخيام التعيسة. وكان أول وعد قطعه لهم هو أنه سوف يخصص بيوت للاجئين بأسرع وقت، ولن يبقى أحد في الخيام. لكن هذا الوعد اصطدم بالواقع وهو زيادة خيالية لعدد اللاجئين تتجاوز طاقة الاقليم وشروط وسياسة المؤسسات الأممية المعنية بقضايا اللاجئين والنازحين. فبقي أحباءنا السوريين في مخيماتهم التعيسة الى ان التحق بهم اخوتهم السنجاريين من ضحايا إرهاب الدولة الاسلامية في العراق والشام. واستمرت معاناة الجميع دون حلول مع قليل من الاختلافات الشكلية.
٣-تابعت منذ يوم أمس معظم التطورات وردود الافعال التي رافقت حادثة الحريق، بما فيها تصريحات المسؤولين المحليين والمواطنين والناشطين والشخصيات السياسية والدينية الايزيدية. وقمت بزيارة الموقع المحروق، فكانت مشاهدته تفطر القلوب. كما التقيت بعدد من المتضررين وسمعت صوتهم ومعاناتهم ومطالبهم. لقد كان هذا اليوم يشبه يوم الابادة بكل معانيها، حيث تشرد اكثر من ألف انسان معظمهم من النساء والاطفال. وخسروا كل ما يملكون. البعض منهم كان يعمل ليل نهار ويحاول ان يقلل من لقمته حتى يوفر مبلغ بسيط قد يساعده في يوم العودة، لكن النيران التهمت كل شئ. حتى الذين كانوا يحتفظون بمالهم ووثائقهم الرسمية في خزائن حديدية يفترض ان تكون مانعة للحريق، فقد احترقت اموالهم واوراقهم في داخل تلك الخزانات المحصنة. وانتشر فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لصاحب محل كان يملك مئة مليون دينار وهو يخرج من خزانته المحروقة مبالغ كبيرة من الاموال تحولت الى رماد. وبدل ان يتعاطف رواد الانترنت مع الحالة ويسألوا انفسهم أسباب بقاء هذا الرجل المسكين في المخيم ومعه كل هذه الاموال. وهو افتقاره الى الشعور بالأمان بسبب عدم تشجيع الدولة له ولأشخاص مثله للعودة الآمنة الى الديار، كانوا يستهزئون به وبغيره ممن يمتلكون المال ولم يغادروا المخيم فاحترقت أموالهم وكل ممتلكاتهم في دقائق. وتشكلت صورة نمطية سيئة أخرى بعبارة “ماداموا اغنياء لماذا لا يذهبون الى بيوتهم او يستأجرون بيوت”.
لم يفهم أحدهم ان هؤلاء المساكين مصرين على البقاء في المخيم، ليس لسبب سوى الخوف والرعب من الآخرين، هذا الضياع الذي يشعرون به لو خرجوا من هذا المكان البائس الى المجهول في ظل هذا الصراع السياسي والعسكري والفوضى المسلحة وغياب الدولة والقانون في مناطقهم. فيختارون ان يبقوا داخل الجماعة، حتى لو كانت هذه ظروفهم.
٤-على غرار التصريحات العفوية والعاطفية التي كانت تنطلق بعد اغسطس ٢٠١٤ من مسؤولين وناشطين وشخصيات ايزيدية وغير ايزيدية، حول ما يتوجب فعله وما هو المطلوب. تلك التصريحات الخيالية التي كانت سببا أساسيًا لخلق حالة اليأس وعدم الثقة والضياع الذي يعيشه مجتمعنا هذه الايام. يتكرر هذا المشهد العفوي الغير مدروس مرة أخرى.
فمثلا هناك مطالبات بتحويل مكان هذا المخيم الى غرفة من بلوك، وآخرون يوعدون بأشياء أخرى أكبر أمام وسائل الاعلام دون سند ولا واقعية. ولم يسأل أحدهم نفسه اذا كان هذا المكان يتسع هندسيا لبناء بيوت، وهل يجوز ذلك؟ وماذا لو حصل حريق في مكان آخر، هل سيتم المعاملة بالمثل؟ ماذا عن بقية سكان المخيم الذين قد يتعرض اي واحد منهم لمثل هذه الحادثة بسبب تماس كهربائي او حالة عرضية، إذا كنا نعرف جميعا ان هذه الخيام كلها هي مشروع حريق اليوم او غدا؟ ماذا عن كل الضحايا الذين راحوا في الحرائق السابقة، وراحت ارواح كثيرة؟!!
ولهذا أرى من الواجب أن يتم تشكيل لجنة من العوائل المتضررة تمثلهم، وأن يجلسوا مع المسؤولين ويناقشونهم بهدوء كافة الوسائل الممكنة والواقعية للمساعدة.
لماذا لا يتركون الخيار للمتضررين انفسهم بعد تعويضهم الكامل والعادل؟ كما يفترض أن يسألون المتضررين، إذا كانوا يفضلون البقاء أم يريدون مكان اخر، أو ربما العودة الى الديار؟!!
لماذا لا يعمرون بيوتهم في سنجار بدلاً من بناء خيمة جديدة او غرفة واحدة من بلوك بدون أية مرفقات -كما يقترحها البعض- فمكان الخيمة سوف لن يسع اكثر من غرفة واحدة مساحتها تسعة امتار لا تصلح حتى لمعيشة الماعز..
ولهذا فمن رايي، اذا كان هناك تعويض، يجب ان يكون تعويضا كريما وعادلاً يناسب حجم الضرر، وأن يتركوا الخيار للعوائل المتضررة لتقرير مصيرهم. واذا كانوا يريدون ان يوفروا لهم سكن ثابت، ان لا يكون غرفة واحدة بمساحة الخيمة، وانما مساحة تناسب عدد افراد العائلة مع مرفقاتها. اما ان يعطون الوعود الاعلامية والمطالبات الاعلامية فقط لمجاملة المساكين في ظروفهم الصعبة، فهذه جريمة أخرى بحقهم.
٥-عرفنا من شهادات الناس أن الحادث كان عرضيا، وأن الرياح ساهمت في سرعة انتشار النيران. لكن هل هناك مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في الاسباب، حتى لو لم يكن هناك شبهات جنائية، وذلك على الاقل لأخذ درس من الحادث المؤلم ولمعرفة اسباب الخلل لمنع تكراره في هذا المكان او اي مكان آخر؟
وأخيرا: هل تمت المطالبة بمعرفة اسباب عدم توفر وسائل اطفاء الحريق داخل المخيم؟ ولماذا كانت سيارة الاطفائية عاطلة بجانب المخيم ؟!!!
ميرزا دنايي
بغداد ٦ يونيو ٢٠٢١