لهذا يجب أن أبقى أيزيديا
بركات العيسى
تمر الهيكلة الدينية والاجتماعية للايزيدية بحالة من الفوضى والعشوائية لم تسبق لها مثيل طيلة الحقب الزمنية المريرة التي مرت على معتنقي هذه الديانة والتي شخصتها التاريخ بأبشع صورة، حيث يمكن تشبيه هذه الفوضى التي طغت على نمط حياة الايزديين في الوقت الحالي بالفوضى اثناء فترة الحكم السلجوقي ١٠٣٧-١١٥٧ والتي فيها تم تحريف بعض النصوص الدينية الايزيدية ، حيث ان التلامس بالمقارنة في الوقت الحاضر لا يمكن باي شكل من الاشكال وذلك بحكم تلاشي القيم اختياريا في الوضع الراهن بالعودة الى الماضي الذي طغى عليه حد السيف. بيت القصيد هنا ان حاضر الايزديين لا يتلاشى بحكم السيف، وانما بفضل المؤسسة الدينية الايزيدية التي تفتقد الى روح التجدد من جهة والعقلية المتجددة لها من جهة أخرى.
الخارطة الجغرافية للالش وظاهرة العلنية الدينية
بحكم غياب القوانين الوضعية التي كان من شأنها ان تلملم شتات الأيزيديين وتعطي صورة ايجابية لديانتهم ، وطقوسها ، وفلسفتها كما في بقية الديانات الاخرى والتي تحافظ على هيبتها من خلال الرموز الدينية قليلة الظهور كما في شخص السيستاني ، وكذلك البابا فرنسيس ..الخ تفتقر الهيكلة الدينية الايزيدية على قواعد ظهور شخص البابا شيخ ، والامير وذلك بسبب محل الاقامة ، والزيارات العشوائية ، والظهور الكثيف في الاعلام المرئي دون وجود لوبي ديني يوجه شخص البابا ، والامير في ممارسة طقوس السرية حتى يحافظ ذلك الاختفاء على هيبة الهيكلية الدينية .
قد يذهب البعض الى الفساد الديني في المؤسسة الروحانية ، او الرجعية السياسية لحزب يتحكم بجغرافية لالش ، الا ان المتسببين من الايزيديين انفسهم يحملون اللوم على ما هم عليه اكثر من اي طرف ، ولأجل استعادة هيبة المؤسسة الدينية لاتزال هنالك فرصة ، ومتسع من الوقت لبناء مجمع سكني صغير في بقعة وعرة من گه لی(وادي) لالش ، أو أية بقعة جغرافية تعود للأيزيديين كي تكون مقر دائم لرأس الهرم الأيزيدي دينيا ، وبؤرة للبحوث ، والقرارات ، والاسرار ، والتخطيط ، ومتطوعون متمكنون لغويا ” كوردي ، عربي ، انكليزي ، تركي ، فارسي ، الماني ” ..الخ لرسم سياسة التعامل مع الاحداث داخليا واقليميا ودوليا ، وانتخاب هيئة من العلماء غير معلمة الاسماء حتى تتحكم بشخص البابا والامير وتوجههم في كافة المحافل ،واهمها الحفاظ على ان تكون مواجهة الامير وشخص البابا واللقاء بهم بمواعيد ،ومنعهم من اي تصريح اعلامي ، او اصدار اية قرارات عشوائية ، وتجريدهم من اي انتماء سياسي . وفي المستقبل القريب يمكن أيضا العمل على انشاء معهد او كلية للدراسات الدينية الايزيدية بموافقة وزارة التعليم في الحكومة الاتحادية، مقرها يكون في معبد لالش، مهمتها تخريج دفعات لرجال الدين الايزديين. ويمكن ان يكون شخص الأمير او البابا شيخ خريجا من هذا المعهد .
لماذا يجب تنفيذ هكذا أمر؟
في السنوات القليلة الماضية ومن خلال تصريحات اعلامية غير مكلفة أحدث البابا شيخ، وكذلك الامير الراحل تحسين بگ حالة من الاشمئزاز والرفض في الوسط الايزيدي في ظل ذروة الابادة التي عصفت بالايزديين، وتلك التصريحات غير المسؤولة، او المعد لها ذهبت لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتحكم بالمؤسسة الدينية الايزيدية ويستخدمها في أرخص السياسات، واوسخها.
المجلس الروحاني الايزيدي لا يمتلك من الاعلام سوى صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك ويصدر منه بيانات وكتابات لا تليق حتى بإحدى المراكز الـ” ثقافية ” المدفوع لها، والتي تكتب بلغة واحدة فقط ركيكة في قواعدها ومعانيها، وكذلك من البابا شيخ باعتباره الاب الروحي للايزيديين، وليس المرجع الديني الاعلى كما في هيكل وكليشة الكتاب الرسمي الصادر عنه!
فالامير وبحسب قوانين المجلس الروحاني يعتبر رئيسا للمؤسسة الدينية ” رئيس المجلس الروحاني الاعلى ” وهنا ال ” اعلى ” زائدة في الحالتين باعتبار عدم وجود ال ” أدنى ” منه او غيره.
موقف لا بد من ذكره
عام 2014 كان المجلس الروحاني الايزيدي بصدد مؤتمر صحفي في دهوك في مبنى ” البيت الايزيدي والذي تم تشييده كي يكون مقرا لرؤساء العشائر، والشخصيات الاجتماعية والدينية لاحتواء الابادة، كنت حينها مراسلا لشبكة روودوا الاعلامية وطلب مني حينها ” وكيل الامير ” أن اغطي الحدث.. الا أن الغريب في الامر حينها ان المجلس الروحاني كان قد كتب البيان باللغة العربية، وللتغطية الاعلامية ارسلت الدعوة لرووداو وكوردستان تي في فقط.
حينها طلبت من ” وكيل الامير ” تأجيل المؤتمر الصحفي ليوم واحد فقط حتى يتسنى لي وللزميل خضر دوملي ترجمة البيان الى اللغة الكوردية ايضا، وارسال الدعوة لمكاتب القنوات الاعلامية العربية والكوردية لتغطية المؤتمر الصحفي.
في اليوم الثاني وبينما قمنا بترجمة البيان وارسال الدعوة للأعلام لم يكن هناك شخص واحد يجيد اللغة الكوردية لقراءة البيان، ورفضت طلب ” وكيل الامير ” بقراءة البيان باللغة الكوردية حتى أجنب نفسي والمجلس الروحاني من السخرية والانتقادات. هنا لابد التركيز على الدور الإعلامي باعتباره الواجهة الرسمية لابناء ديانة كاملة في عموم العالم على الصعيدين المحلي والدولي، لذلك من الضروري العمل على انشاء موقع الالكتروني رسمي خاص بالمجلس الروحاني باللغات العربية، الكردية، الإنكليزية، الألمانية، الروسية ، الالمانية ويوضح فيه دور أعضاء المجلس الروحاني ، وينشر عليه كافة البيانات والقرارات المتعلقة بالوضع الايزيدي دون حاجة الرجوع الى التصرفات ، والاجتهادات الشخصية التي تقلل من شأن هذه المرجعية الدينية.
قوميا ودينيا
الصراع المفتعل منذ ١٧ عاما بين الايزيديين هو صراع على الهوية القومية للأيزيديين والذي جزّء الايزيديين الى جبهتين ” كوردية أيزيدية ، ايزيدية ” الا ان الصراع في حقيقته بين احزاب سياسية تحرك الشارع لخلق جبهتي صراع لا منتصر فيها ، وبينما يرى الايزيدي الداعي للاستقلال بهويته القومية ان سبب الابادات ، والحقب السوداء مصدرها القومية الكردية الملتصقة بالايزيديين يذكرنا بموقف حدث عام ٢٠١٨ في مدينة هانوفر الالمانية لشخصيات وجماهير تدّعي القومية الايزيدية حينما حدث شجار وضرب بالأيادي بين بعض المقيمين للحدث وبعض المشاركين فيها بسبب شرفدين والذي رفض البعض تسميته بدين الايزيديين!
قبل عدة اشهر وبينما كنت اكتب في صفحتي على الفيسبوك عن بعض الاحداث المرتبطة بواقع الايزيديين، كان ” ش.ر” يتهمني بالميل للأحزاب الكوردية للنيل من القومية الايزيدية وتنفيذ اجندات سياسية لرفض الفكر القومي الايزيدي، الا أن الشخص ذاته والمؤمن بالقومية الايزيدية اعلن هو وزوجته عن اعتناقه للدين المسيحي، وكان قد كتب لي في رسالة خاصة على الانستغرام خلال اعلاني لبرنامج Bergeh عن عيد الباتزمية والذي يعرض على فضائية Çira TV طالبا ان اسأل ضيفي ان كان العيد له اي ارتباط بالسيد المسيح ! ومن هنا يمكن أن نستبعد ان يكون للصراع السياسي بالصبغة القومية ان يكون له اي ارتباط بانهيار ما تبقى من الايزيدياتي ، وهنا لا بد من التذكير أن ” ش.ر ” وزوجته ليسو الوحيدين ممن وصلوا الى اوربا واعتنقوا المسيحية في اقل من خمسة أعوام، فتشير الاحصائيات غير الدقيقة رقميا الى حوالي ٣٠٠ أيزيدي اعتنقوا المسيحية ويتواصلون في مجموعة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ، ولهم برنامج تبشيري لبقية الايزيديين من خلال جمع الاموال في الخارج وشراء مواد لوجستية لدعم النازحين الايزيديين في مخيمات النزوح ، وكذلك التواصل عبر مواقع التواصل مع الحلقات الضعيفة ، والمشمئزين من الوضع الايزيدي الراهن.
الأمر لا يتوقف هنا فحسب بل أن هنالك مجموعة صغيرة تتواصل على الواتساب ايضا لنشر رسالة الاسلام، سوف احتفظ ببقية التفاصيل.
لهذا يجب ان أبقى أيزيديا
ما بين ٢٠١٢ – ٢٠١٤ كنت في حالة من التنمر اجبرتني على التفكير بالانتحار تارة ، او الهروب الى أي مجهول تارة أخرى وذلك بعد ان كتبت قصيدة ” اخر محاولاتي ” والتي نشرت في الحوار المتمدن كتبت فيها ” ماذا لو الله انثى ” استغل البعض تلك الكلمات لمهاجمتي واطلاق فتاوي دينية بقتلي وهم اصلا ليسوا برجال دين، ومتجاهلين ان لا فتاوي في الدين الايزيدي اصلا، وعلقوا اسمي على الاعمدة الكهربائية من خلال رسائل تهديد بالقتل بحجة انني اشهرت بطاؤوس ملك تارة، وبشيخ ادي تارة اخرى، الا انني حينها رفضت حتى التوضيح واصبحت متنمرا عليه حتى داخل عائلتي .
الأمر كله في ذلك الحين لم يمنعني أن اكون مؤمنا بانتمائي للايزيديين بغض الطرف عن نظرتي للدين، لأنني على يقين أن الانطباعات تتغير كلما افلح المرء بالبحث، وهنا وعلى سبيل المثال لست معارضا كما كنت في السابق على ان يكون شيخ ادي هو الله، او شرفدين دين الايزيديين لطالما ان الروحانية الدينية والتصوف في الاديان بإمكانها ان تضع حجرا في مكان وتجعل منه الها.
من خلال التمعن في المسائل الجدلية في الاديان الاخرى اكبر بكثير مما هو موجود عند الايزيدية بحيث نصل الى خلاصة ان الايزيدية رغم بساطتها لا تقل بابعادها الفلسفية والروحية عن الاديان الاخرى ، بل بالعكس الديانة الايزيدية الشمسانية الاصلية قد تكون منبع الكثير من المعتقدات بالادلة الفلسفية والتاريخية لا مجال لذكرها في هذا المثال، و فيما يتعلق بالتوحيد مثلا، كروية الارض، مبدأ قدسية الروح، والخليقة وغيرها كلها جوانب فلسفية سبق الايزيدية الاديان الكتابية بقرون عديدة ، وهذه بحد ذاتها تقتل الحجج التي على خلفيتها يشهر البعض اسلامهم ، او مسيحيتهم .
الايمان بالانتماء للايزدياتي بحسب نظرتي تجاوزت حريتي كفرد بأيمانه، وذاته ، وانا استذكر كل خطوة من الهروب نحو الجبل كي اكون ما انا عليه ، مستذكرا ان داعش في غزوته لم يكن ليفرق بيني ، وبين رجل كاهل من عشيرة االفقراء مرتديا “الخرقة” والسبب هنا ليس بحجم الايمان ، وانما بسبب الانتماء ، والهوية فقط .
الاسباب المذكورة اعلاه في تلاشي المؤسسة الدينية والصراعات مدفوعة الثمن لا يمكن اعتبارها اسبابا مقنعة للتجرد من الانتماء، وهنا بإمكاننا ان نستذكر احمد جاسو وابناء كوجو وجميع الذين تخلوا عن الحياة من على سواتر المقاومة طواعية حتى يرحلوا وهم حاملين لواء الانتماء للايزيدياتي على الرغم من عدم شكي بعدم ايمان البعض منهم ببعض التعاليم، وكذلك بالمؤسسة الدينية.
في الخلاصة لابد من تذكير موقف حدث بيني وبين والد احد المفقودين في غزوة داعش حين سألني إن كنت أؤمن بان ابنه سوف يعود حيا، حينها اخبرته بكل ثقة ان ابنه سوف لن يعود، وقبل ان تظهر على نبرة صوته ملامح الحزن قلت له: ابنك من المستحيل ان يتنازل عن دينه حتى لو قطعوه بالسكين اليس كذلك ؟
قال: بالتأكيد لن يفعل ذلك
قلت له: إذن داعش خيّرهم بين الاسلام او الموت وكن فخورا به .
الا ان اكثر ما يمكن للايزيدي التفكير به كي يحافظ على انتماءه هو حالة الاف الايزيديات اللواتي هربن حفات الاقدام من جحيم داعش وقتلت بعضهن في طريق الهروب ليس لشيء سوى مقامرتهم على الموت وهم في طريق الهروب ، او العيش بكرامة وايمانهن بالانتماء للايزيدياتي ، وهن لم يكنّ في يوم من الايام طرفا في الصراع القومي ، او متخرجين من مدارس شيدتها الهيكلية الروحانية ، وانما لسبب لا شريك له وهو الايمان المطلق بالانتماء .
هنالك اسباب اخرى يجب ان تدفع الايزيدي الى التمسك بانتماءه ومن بينها تذكير وقراءة مراحل بقاء الايزيديين على انتماءهم في سوريا وتركيا ودول القفقاس على الرغم من غياب العولمة الدينية ، وفي وقت كان الايزيدي احوج من غيره على التواصل وتبادل الادعية والنصائح الدينية ، الا انهم صمدوا في وجه التغيرات الكثيرة التي حدث في جغرافيا وجودهم ، والهجرة التي اقلعت بعضهم من جذورهم ايضا لم تمنعهم من البقاء على ما هم عليهم الان ايزيديين انقياء .