كلمات في الذكرى السادسة لإبادة أهلنا في سنجار!!
الدكتور : خليل جودي
بقلوب دامية نستذكر في مثل هذا اليوم الثالث من شهر آب من كل عام، ومعنا الأحرار في كل مكان، أحتى جريمة في القرن الحادي والعشرين بحق أهلنا وبني جلدتنا في سنجار على أيدي برابرة العصر، وخفافيش الظلام، وحاملي فايروسات التفكير المتخلف والعفن عناصر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام المعروف بـ (داعش). عاث هؤلاء الأوغاد فيها فساداً، وفتكوا بأهلها المسالمين العزل، وذاقوا شعباً كاملاً مأساةً لا حدود لها بعد أن تخلى عنهم “حماتهم” الذي كان يبلغ عددهم أكثر من 12 ألف مسلح!!.. تلك القوات الكردية المسلحة هي قوات “عقائدية” تابعة لحزب واحد ، ما كانت تترك مواقعها لولا تلقيها أمر الإنسحاب الذي اطلقوا عليه “التكتيكي” من رئيس الحزب أو الإقليم نفسه!.
في هذه الذكرى أرى من الضروري والمناسب إعادة بعض الأفكار التي طرحتها في الذكرى الثالثة للإبادة (2017)، والثانية (ورقة خطة العمل) التي قدمتها لمؤتمر برلين في 21/ 4/ 2017 أيضاً.
إبادة ايزيدية سنجار حالة ليست بحاجة إلى شرح، أو إضافة لأنها موثقة بالصوت والصورة والزمان والمكان، الجلاد والضحية معلومان، حيث هناك أكثر من 7000 من السبايا النساء والأطفال المخطوفين، وما يقارب من 5000 قتيل من الناس الأبرياء، وهجرة حوالي 4000 انسان. لقد وقعت الجريمة على مرمى ومسمع العالم، وركنها المادي والمعنوي ليس بحاجة الى إثبات من قبل لجان التحقيق أو التحري… والآن بعد القضاء على عصابات (داعش) الارهابية عسكرياً، وليس فكرياً، يرى المئات منهم يسرحون ويمرحون في في مدن كردستان: دهوك وأربيل والسليمانية، والمدن السنية المحررة: نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركركوك ، وخلايا نائمة في مدن عراقية، كما يوجد آلاف منهم بشكل علني في المدن التركية وفي سوريا، والقسم الآخر انتقل مع موجات المهاجرين الى الدول الأوربية ووصلوا إلى أمريكا وكندا واستراليا…
السؤال الملح على الجميع هو: ماذا بعد الجريمة، ماذا بعد داعش؟…هناك إحتمالين لا ثالث لهما: إما السكوت والمراوغة، وبذلك نقدم للمجرم هدية على طبق من ذهب للتمادي ولإعادة الجريمة بشكل أكثر وحشية من قبل، أو القطع مع المجرم وإتخاذ ما يجعل الجريمة شأناً من الماضي، وبذلك لا نحفظ حرمة الدين الأيزيدي وحقه في البقاء فحسب، وإنما تحفظ الإنسانية والحضارة حقها في أن تصون جزءاً من تراثها وكنوزها المتمثلة في دين توحيدي بقي منه القليل من البشر، لكن بقي منه الكثير من الأثر في مجال التأصيل في تاريخ البشرية من خلال الدين الأيزيدي وغيره من الأديان المتزامنة معه تثبت البشرية أن لها تأريخ وأصالة واستمرارية وجذور راسخة….فهل الشعب العراقي بكل شرائحه وأطيافه ومكوناته وحكومته مهيأةً للتفريط بإحدى مفردات حضارة بكاملها؟!..بالتأكيد الجواب لا. لذا نقول بالحرف الواحد علينا التعجيل بما يلي:
الرسالة الأولى/ نتفق أن الدواعش لا يمثلون كل المسلمين، بل يمثل بعضه، ونتفق أن كل الأديان بريئة من همجية داعش، لكن هذا الإفتراض بحاجة إلى دليل على الأرض. فلسنا أمام نظرية إفتراضية مستحيلة التطبيق على الأرض، وإلاّ أصبحت مجرد نفخ في الهواء. ماذا يمكن أن يقدمه هذا البعض من المسلمين بعد كل الجرائم التي إقترفها داعش ضد الشعب العراقي عامة والايزيدي خاصة؟..وماهو خطابهم الجديد؟.. كما أن العالم الإسلامي مدعو أيضاً إلى إجراءات عملية، لا تكتفي بالإدانة فقط، وإنما تتخذ خطوات تطبيقية فورية لتغيير الصورة النمطية عن الدين الأيزيدي وإعتماد خطاب جديد وتغيير السلوك والمناهج!.
الرسالة الثانية/ الأيزيدية ديانة مسالمة، والأيزيديون مسالمون وليسوا طلاب شرّ وإنتقام، يقومون باحياء ذكرى الإبادة لتذكير العراق حكومة وشعباً، وكذلك جميع دول العالم أن يلعبوا دورهم في منع تكرار إبادة أخرى بحقهم، وفي حين الوقت يؤكدون أن لا سلام ولا مصالحة بدون تحقيق العدالة لذوي الضحايا، وتقديم الجناة إلى محكمة الجنايات الدولية أو محاكم خاصة تشكل لهذا الغرض لينالوا جزائهم العادل.
الرسالة الثالثة/ دعوة الحكومة العراقية وجميع السياسيين والدبلوماسيين والدول المؤثرة إلى إعادة جميع النازحين الأيزيديين في المخيمات إلى مناطقهم ، وإستعادة حياتهم الرغيدة. لا يجوز أن تكون دعوة بروتوكولية سطحية، وإنما دعوة حقيقية تنتظر الحل اليوم وليس غداً…ندرك أن العراق وبسبب وضعه المالي الصعب ليس قادراً لوحده على الوفاء بالالتزامات المالية لإعادة السكان وإعمار المنطقة. يعني ذلك أن الجميع ملزم بتفكير جدي في هذا الموضوع، وبخلاف ذلك علينا أن ننتظر المزيد من تفكك المجتمع الايزيدي القابع في المخيمات والخيم هنا وهناك، والهجرة والتشرد إلى دول العالم بدءاً من أوروبا وإنتهاءً بأمريكا وكندا واستراليا….
رابعاً/ بناء الثقة: الأيزيديون بعد تاريخ 3/آب/2014 فقدوا الثقة بمن كان يفترض أن يحميهم، وبمحيطه وجيرانه، وهم بحاجة إلى خطوات عملية أن يكونوا هم حكام أنفسهم. أثبتت التجارب أن إبعادهم عن مواقع القرار يعني بالضرورة حدوث كوارث وإبادات أخرى نحن في غنى عنها…الإنسان الأيزيدي بحاجة ملحة أن يطمئن دون رقيب أو حسيب على بيته ومزرعته ومعبده وطقوسه وموارد عيشه وحريته، وأنه حين يدخل ويخرج من معبده لالش، لا يشعر أن هناك قوة مسيطرة عليه….يريدون تشكيل قوات حماية من الشرطة والأمن والاستخبارات خاصة بهم فقط، تكون تابعة للقوات المسلحة العراقية، لكنها تبقى قوات حماية لمناطقها لا تنتقل الى مناطق أخرى، بذلك تنتفي الحاجة الى القوات المسلحة للأحزاب المتصارعة.
خامساً/ يرفض الايزيديون سياسة الخنادق العازلة لمناطقهم بعضها عن البعض سواء في سهل نينوى، أو توزيع مناطق السيطرة والنفوذ بين الأحزاب كما في قضاء سنجار. ويطالب الايزيديون بتفعيل المادة 125 من الدستور العراقي بشأن الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات والمكونات الدينية المختلفة من خلال تنظيمها بقانون يسمح تشكيل إدارات ذاتية أو إستحداث إقليم خاص أو محافظتين بالمكون الايزيدي في سنجار وآخرى في سهل نينوى لجميع المكونات الدينية.
أما بشأن الورقة المقدمة إلى المؤتمر الايزيدي في برلين 21/ 4/ 2017 تحت عنوان: نحو خطة عمل
الإبادة الجماعية في سنجار..التاريخ الفاصل…
نكون أو لا نكون!
جاء فيه:
يفترض أن يكون التاريخ مصدراً للدراسة واستخلاص الدروس واستنباط العبر، وأن يكون متماثلا مع تحديات الماضي لمواجهة تحديات اليوم والمستقبل، نريد أن يكون مؤتمرنا زواجاً سعيداً بين الرؤى الايزيدية المختلفة ينجب أطفالاً، لا أن يكون مؤتمراً عقيماً!!
كما لا نريد أن نجعل من التاريخ الايزيدي الماضي سجناً للعقل وملجأً للإنزواء والهروب من الواقع، فإذا ظلّ الايزيديون يندبون حظهم ويجلّدون أنفسهم عن طريق تكرار مآسيهم والإبادات التي تعرضوا لها عبر التاريخ، فإنهم يبقون أسرى الماضي ويتحولون الى مجموعة مهزومة داخلياً والى مجتمع معزول.
ما العمل؟ هذا هو السؤال الأساسي.
بعيداً عن التنظيرات، ومن دون طرح التحليلات والضياع بين الأسباب والنتائج، يجب أن نسأل جميعاً كيف يمكن تحويل الإبادة الجماعية في سنجار بتاريخ 3/8/2014 على يد وحوش العصر، تنظيم (داعش) الارهابي، الى عامل وحدة للايزيديين ولصالح وجودهم في العراق وبقية أماكن تواجدهم، مثلما حول اليهود الهولوكوست الى عامل وحدة وظّف لبناء دولتهم فيما بعد.
الايزيديون بحاجة الى تاريخ يجمعهم لا إلى تاريخ يفرقهم، وليكن تاريخ الثالث من آب 2014 يوماً لوحدة الايزيديين، نطلق عليه تاريخ (مرحلة نادية مراد)، تلك الانسانة التي اجتازت بشجاعتها وبرائتها جميع الحدود لتصل الى المجال الانساني الأرحب والأشمل، وتلك الصرخة الهادرة التي مزقت صمت العالم ووضعت ملف صوت الدم الايزيدي على طاولة مجلس الأمن الدولي، فاستحقت بكل جدارة أن تجسد إبادة سنجار وتصبح “رمزاً للايزيدية” وتنال لقب سفيرة السلام للنوايا الحسنة. (وتنال بعدها جائزة نوبل للسلام)
وقد وقفت “منظمة يزدا” وراء هذا النجاح الباهر، ولعبت دوراً تاريخياً كبيراً، دون إغفال دور العديد من الفعاليات الايزيدية الأخرى، إلاّ أن “يزدا” ولدت من رحم الإبادة الجماعية في شنكال. هذه المنظمة التي تمكنت خلال أقل من سنتين أن تنقل مآساة الايزيديين على أيدي عصابات داعش الارهابية من مجاله المحلي الضيق الى فضائه العالمي والأممي ويضع هذا الملف من خلال (نادية مراد) على طاولة المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن،
أرى أن يكون الايزيديون موحدين في هذه المرحلة، ويدعموا هم وجميع المراكز والجمعيات الايزيدية أينما كانت منظمة “يزدا” من أجل ترجمة قرار الأمم المتحدة بتسمية نادية مراد سفيرة النوايا الحسنة الى مشاريع لمصلحة حاضر ومستقبل الايزيدية ولمعالجة البعض من آثار القتل والابادة التي تعرضوا لها، أو التخفيف من بعضها الآخر. وفي هذا السياق نسجل ملاحظاتناعلى مستويين:
المستوى الاول ( المواجهات العامة للقضية الايزيدية )
1- أن تحافظ منظمة “يزدا” على استقلاليتها التامة وتنفتح على جميع القوميات والأديان والمذاهب والأطراف السياسية والفعاليات المدنية والثقافية وتكون قريبة منهم بنفس المسافة، وعدم الانحياز لأي طرف كان.
2- عقد مؤتمر ايزيدي عام مكمل لهذا المؤتمر لدراسة الحدث التاريخي الكبير بمنح الرمز نادية مراد لقب سفيرة سلام، وبلورة الآراء والخروج بآراء وتوصيات لدعم منظمة يزدا دون التدخل في شؤونها وحرفها من مسارها أو محاولة اختراقها وتخريبها من الداخل.
3- التأكيد على أن تعرض الايزيديين للإبادة كان بسبب إنتمائهم الديني وليس القومي، لذا لا يجوز تسويقها بأسماء أخرى، أو لمصلحة أطرف سياسية غير ايزيدية.
4- تحويل ملف الابادة الجماعية للايزيديين بعد اعترافها من قبل عدة برلمانات أوربية وغربية (مجلس العموم البريطاني، الكونغرس الأمريكي، البرلمان الألماني، البرلمان الأوروبي، البرلمان الكندي، البرلمان الاسكتلندي) الى محكمة الجنايات الدولية، أو تشكيل محكمة خاصة على غرار محكمة بورندي، محكمة رفيق الحريري، محكمة يوغسلافيا، لمقاضاة الجناة من الدواعش ومن ساندهم.
5- إعطاء الأولوية لمعالجة ضحايا إبادة سنجار وخاصة السبايا الايزيديات الناجيات من قبضة داعش وكذلك الأطفال وتأهيلهم من الصدمة والاهتمام بحقوق المرأة والطفل من خلال وضع برامج طويلة الأمد وبدعم من المنظمات الدولية لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية للسبايا الناجيات، ورعاية الأيتام والعجزة وعوائل الشهداء وضمان حماية المقابر الجماعية.
6- إنهاء الصراع بين الأحزاب الكردستانية وغير الكردستانية على سنجار وبقية مناطق سكن الايزيديين والمكونات الدينية من المسيحيين، الكاكائيين، الشبك في (بعشيقة وبحزاني، قضاء الشيخان) فما لم تخرج هذه المناطق المتنازع عليها من دائرة الصراع بين المركز والإقليم، فلن تجد هذه الأقليات الاستقرار والأمن.
7- العمل على اعادة بناء الثقة التي فقدها الايزدييون بجيرانهم وبالقوة التي كانت تفرض سيطرتها على قضاء سنجار، وانسحبت منها “تكتيكياً” أو بحجة أن “وجود العشائر السنيّة في محيط منطقة شنكال (سنجار) كانت السبب الرئيسي في تراجع البيشمركة عند دخول التنظيم إلى شنكال” كما صرح بها مسؤول كبير في إقليم كردستان في لقاء له مع صحيفة الشرق الأوسط في 16/3/2017. وترك الناس العزل بين أنياب الدواعش الارهابيين.
8- العمل على تفعيل المادة 125 من الدستور العراقي بشأن الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات والمكونات الدينية المختلفة من خلال تنظيمها بقانون يسمح تشكيل إدارات ذاتية أو إستحداث إقليم خاص أو محافظتين بالمكون الايزيدي في سنجار وآخرى في سهل نينوى لجميع المكونات الدينية. تمنح الايزيديين إدارة مناطقهم وحماية أنفسهم وذلك عامل مهم واساسي لاعادة بناء ثقة الايزيديين بجيرانهم ولمنع تكرار الابادة في المستقبل.
9- المحافظة على الطبيعة الديموغرافية الاثنية/الدينية للأقضية سنجار والشيخان وبعشيقة وبحزاني وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً، وتحديد حدود معبد لالش المقدس وعدم التجاوز عليه. والعمل على ادراجه ضمن لائحة اليونسكوللتراث العالمي.
10- العمل الجدي والفعال لتشكيل جماعة ضاغطة (لوبي) من الايزيديين وأصدقائهم من الشخصيات الأجنبية والمنظمات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عموماً، مع إقامة صندوق مالي إستثماري خاص.
11- تهيئة جميع الأجواء والمستلزمات من اجل خلق عودة مستدامة للنازحين عبر إعادة إعمار مناطقهم في سنجار، بعشيقة، بحزاني، بابيره. وتاهيل بناها التحتية.
12- تقديم التوصيات التي يخرج به المؤتمر الى البرلمان الألماني أو الجهات الألمانية ذات العلاقة بالأزمات الدولية وحقوق الأقليات لطرحها على المنظمات والمحافل الدولية ذات العلاقة.
المستوى الثاني (المستوى الايزيدي الداخلي):
1- ان يتجاوز الايزيديون محنتهم حاضراً ومستقبلاً، يجب، وبالحاح، التوجه الى تنظيم البيت الايزيدي الداخلي من أجل وخلق نظام مؤسساتي للمجتمع الايزيدي يبدأ من فصل المجلس الروحاني الايزيدي الأعلى عن التدخل في الشؤون السياسية، وتشكيل هيئة موسعة من الكفاءات والشخصيات الايزيدية من العراق، سوريا، تركيا، أرمينيا، جورجيا، وايزيدية المهجر.
تشكيل لجان متخصصة (قانونية، إعلامية، علاقات، مالية، إدارية، إجتماعية، نسائية، حقوق الطفل،..الخ) تابعة للهيئة الرئيسية.
(من الديني الى الانساني)
2- تجاوزت مأساة الايزيدية بعد جينوسايد سنجار القضية القومية والدينية وتحولت الى قضية إنسانية، قضية مئات الآلاف من النازحين والمشردين، قضية سبايا بيد عصابات داعش، وهي قضية آلاف المختطفات والمختطفين، قضية مئات الأطفال الذين تم غسل أدمغتهم وتجندهم من قبل داعش، قضية أرض ومأوى تم تدميره وينتظر الاعمار وعودة اللاجئين اليها، وأخيرا وليس آخراً قضية مصير المكونات الدينية والاثنية (من ضمنهم المكون الايزيدي) في البلدان الاسلامية.
3- تلبية العديد من المطاليب الخاصة بالايزيديين سواء مع الإقليم أو مع المركز لا أرى حاجة من ذكرها هنا، ندعو الى تحقيقها بأسرع وقت ممكن
بغداد في 2/نيسان/2017