في ظل الخوف والفقر وبعد ستة اعوام من النزوح…. الهجرة كأس ماء الحياة لدى السنجاريين
سالم عيسى
منذ سيطرة تنظيم داعش في الثالث من آب 2014 على سنجار وقيامه بعمليات ابادة جماعية، ينتظر ماهر قيراني (26 عاما) تحقيق حلمه الأول في الهجرة الى اوربا، مثل عشرات آلاف الآخرين من الايزيديين في سنجار الذين شعروا انهم وحيدون في محيط يكن العداء لهم، وفي منطقة تعاني الاهمال وغياب الاعمار والخدمات منذ عقود.
يقول قيراني، الذي يقيم حاليا في مخيم “الشيخان” للنازحين في اقليم كردستان العراق: “كنت اعيش مع أمي وأبي حياة بسيطة، لم يكن في مخيلتي ان اهاجر واترك مدينتي للحظة واحدة. لكن بعد سيطرة داعش على مناطقنا وتخلي الجميع عنا، اضطررت مع عشرات آلاف آخرين للجوء الى جبل سنجار الذي طوقه مقاتلو التنظيم وبعد معاناة امتدت لأيام مع الجوع والعطش والخوف من القتل وصلت الى شمال شرق سوريا وعدت منها الى اقليم كردستان”.
ويضيف :”حين بدأ هجوم مقاتلي التنظيم كنت وحدي في سنجار وتمكنت من الهرب منهم والوصول الى الجبل… كان والدي ايامها مريضا يرقد في مستشفى ازادي بدهوك، لكني لم اعرف ما حل به حيث انقطعت أخبارهم عني في الجبل المحاصر من قبل التنظيم مع عدم وجود اي طريقة للتواصل… حين وصلت الى الاقليم بعد رحلة شاقة وخطرة علمت اني فقدت والدي اثر تعرضه لجلطة دماغية .. كانت تلك من اصعب لحظات حياتي”.
تغيرت حياة قيراني كليا عقب وفاة والده:”خلال أشهر انقلبت حياتي كليا واصبحت مسؤولا عن رعاية والدتي. وانقطعت عن الدراسة بعد فترة النزوح وماتلاه من مصاعب كوني المعيل الوحيد لعائلتي، ثم فقدت فرصة اكمالها بعد أن أصبح عمري خارج السن القانوني للدوام الصباحي”.
في تلك الفترة قرر قيراني مثل آلاف الايزيديين الآخرين الهجرة الى اوربا، فهو طريق الخلاص الوحيد من حياة المخيمات مع استحالة العودة الى سنجار المدمرة، لكن ذلك الحلم تعطل تحقيقه بسبب ظروف والدته التي لم يستطع تركها وحيدة والسفر عبر طرق الهجرة غير الشرعية الخطرة من تركيا الى يونان ومن ثم اوربا.
استقر قيراني في مخيم الشيخان، دون ان يغادره حلم الهجرة، وقرر الزواج مع محاولة الهجرة عن طريق مساعدة أقارب زوجته الذين يعيشون في هولندا وبالاستفادة من قوانين لم الشمل.
حلم الايزيديين بعد الابادة
مثل قيراني يحلم عشرات آلاف الايزيديين بالهجرة خاصة الى المانيا، بعد ست سنوات من هجوم داعش وبعد ان يأسوا من العودة الى مناطقهم المدمرة والتي تنتظر منذ نحو اربع سنوات أن تبدأ حركة الاعمار فيها دون جدوى.
وكان التنظيم قد هاجم سنجار بعد حوالي شهرين من سيطرته على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وقام بتشريد أبنائها وقتل الآلاف منهم واختطاف أكثر من ستة آلاف طفل وامرأة تعرضن للتعذيب والاغتصاب.
وصنف هجوم تنظيم داعش على سنجار كعملية ابادة جماعية واعترفت بذلك اكثر من جهة أممية ودولية من بينها الامم المتحدة والكونغرس الامريكي ومجلس الشيوخ البريطاني والبرلمان الارميني .
وقد رافق الهجوم نزوح جماعي للايزيديين من مناطقهم في سنجار الى اقليم كردستان، ومن ثم الهجرة الى دول اوربية وعلى رأسها المانيا.حيث وثقت منظمات ايزدية هجرة أكثر من 120 الف ايزيدي خلال العامين الاولين للنزوح.
وصرحت الناشطة الايزيدية والناجية من قبضة داعش والحائزة على جائزة نوبل للسلام “نادية مراد” بأن الايزيديين باتوا بين مطرقة القتل في العراق وسندان الهجرة والشتات .
لا خيار آخر امامنا
يقول بركات عيسى، وهو صحفي ايزيدي هاجر الى اوربا عقب هجوم داعش: “لم يكن في حساباتي أن أهاجر، كنت قد تلقيت وقتها دعوة من الأكاديمية الايزيدية في ألمانيا للمشاركة بمؤتمرهم، وكنت أنوي ان أعود بعد المؤتمر، لكنني بعد الإبادة وما شهدته من ويلات وتخلي الجميع عنا ممن كان يفترض ان يحمونا، انقلب كل شيء“.
ويضيف:” فكرة الهجرة راودتني حين كنت محاصرا في الجبل، أيامها رأيت أطفال الايزيديين كيف يعانون لمجرد أنهم ايزيديون، وكيف انقلبت حياتهم… حينها غيّرتُ رأيي ووعدت نفسي أن لا أسمح لأطفالي أن يعانوا هكذا مرةً أخرى في حال نجوت من الجوع والعطش والقتل على الجبل“.
ويتابع :”الهجرة لم تكن خياراً سهلاً، لكنها أفضل من أن تكون نازحاً في وطن متدهور كالعراق، فأنا لا أرى في العراق وطناً مناسباً للاقليات ككل، وخاصة للإيزيدية“.
وبشان خيار البقاء في المخيمات يقول عيسى، ان “البقاء في مخيمات اقليم كردستان هو أسوأ الحلول، وعواقبه وخيمة للإيزيديين فلا مستقبل هناك بعيدا عن أرضهم، لذلك أرى أن العودة إلى سنجار أفضل لكل من لا يحصل على فرصة الهجرة“.
ويرى سيبان الشيخ، وهو أحد الذين تحرروا من داعش بعد سنوات من اعتقاله، ان الإيزيديين “تعرضوا على مرّ القرون للاضطهاد على يد المتطرفين الذين ينظرون للإيزيديين ككفار، ولذلك ما يزال بعض الإيزيديين حتى اليوم يُخفون هويتهم في مناطقهم الأصلية؛ خوفاً من التعرض لسوء المعاملة من قبل الجماعات المتطرفة“.
ويضيف:”تشرّدنا وهُجّرنا من العراق و قُتل آلاف من النساء والشباب والرجال الكبار وحتى الأطفالهم، وارتُكبت أبشع الجرائم ضدنا لذا فضّلت العيش في المهجر (استراليا) بعد ان تحررت من داعش… هنا استقبلونا واحترمونا، وعاملونا على اننا بشر مثلهم“.
حياة جديدة
وتقول هدية بركات، وهي احدى الناجيات من داعش:”بقيت في سجون داعش أكثر من ثلاث سنوات.. كنت فاقدة الأمل من الحياة، حيث تعرضت الى الاغتصاب والضرب وفعلوا أبشع الجرائم بحقي“.
وأعربت هدية عن فرحها بعد تحررها واستنشاق هواء الحياة مرة اخرى: “مباشرة خططت للخروج من العراق؛ لعدم ثقتي به بعد كل ما تعرضت له، واتيحت لي فرصة الهجرة الى استراليا بمساعدة منظمة إنسانية فوافقت، وأنا الان أشعر بالأمان… هنا فتَحتُ لي صفحة حياة جديدة ولديّ أمنيات إن شاء الله سأحققها في هذا البلد“.
وفق استطلاعات رأي تأمل الغالبية الساحقة من الفتيات الايزديات كما الشباب الايزيديين، الهجرة الى احدى الدول الأوربية، وهم يبحثون عن اي فرصة متاحة لذلك سواء بالوصول بشكل شرعي او غير شرعي، هربا من حياة المخيمات في ظل تلاشي امل العودة الى سنجار التي ماتزال منطقة مدمرة لم يعد اليها نحو 80% من سكانها. ولا يبدي الكبار في العمر ذات الحماسة.
ولا تقتصر الهجرة على الايزيديين فقط، فالكثير من اهالي سنجار المسلمين ايضا يحلمون بالهجرة، كما يؤكد شفان جميل، وهو مسلم نازح من سنجار.
ويلفت جميل الى جانب آخر يدفع باتجاه هجرة المسلمين كما الايزيديين في سنجار، قائلا:”نسبة الفقر والبطالة في صفوف النازحين من سنجار كبير جدا، معظم النازحين لم يحصلوا على أعمال تمكنهم من اعادة ترتيب حياتهم في اقليم كردستان، ومعظم عجزوا حتى عن تأمين ايجار منزل خارج المخيمات”.
ويضيف:”كما ان نسبة اهالي سنجار من الذين حصلوا على وظائف في القطاع الحكومي قليلة مقارنة بباقي اهالي اقليم كردستان، ومع الازمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقليم منذ سنوات فلا امل في تحسن اوضاعهم المعيشية الى حد يمكنهم من الاستقرار وبناء حياة جديدة هنا، لذلك هم يفكرون بالهجرة أكثر من غيرهم”.
ويحذر علي حاجي، الناشط الكردي من ذلك الخيار ويطالب بايجاد حلول سريعة تبدأ باعمار مناطق الايزيدية وانهاء حياة المخيمات المستمرة منذ ست سنوات وتوفير فرص عمل، قائلا :”الكبار في العمر يموتون، والصغار والشباب يهاجرون بشكل غير شرعي او عبر برامج لم الشمل.. ذلك يشكل تهديدا لوجودهم في العراق”. ويتابع:” لو لا ان الايزيديين يتزوجون مبكرا وينجبون أطفال كثر، لتوقعنا نهاية وجودهم خلال العقد الحالي”.