لقد سبقت اغلب الإبادات التي حدثت ضد المجتمع الأيزيدي وخاصة في العصر العثماني، صدور فتاوى من الملالي والعلماء المسلمين ضد الايزيديين واعتبروهم كفار وأشد كفراً من الكفار الأصليين وأنهم مشركين ومخالفين للشريعة الإسلامية واعتبر بعضهم الأيزيدية فرقة ضالة ودعوا إلى قتلهم وسبي نسائهم ونهب اموالهم ،وبسببهم تعرض الايزيديين إلى مئات الغزوات وحملات الإبادة،ومن هؤلاء الذين صدروا الفتاوى ،هم(ابن تيمية ، الإمام أحمد ،ابو ليث السمرقندي٣٧٣ه ، فخرالدين الرازي،ابو سعود العمادي١٥٦٦م،عبدالله الربتكي١٧٤٥م،حسن الشيفكي،عبدالرحمن الجلي الكويسنجقي،محمد امين بن خيرالله العمري،ياسين العمري،محمد الكردي،محمد بن سليمان الخطي ١٨٣٢م،ملا يحيى المزوري ١٨٣٢م،شريف الجرجاني،محمد البرقعلي الكردي”.المصدر داود مراد الختاري ، الحملات والفتاوى على الايزيديين في العهد العثماني ،ط١). وحصدت تلك الفتاوى التكفيرية أرواح آلاف مؤلفة منهم وسبي النساء والفتيات وبيعهن في أسواق النخاسة الإسلامية أو توزيعهن على المجاهدين في سبيل الله ،كما كان يتم قتل الرجال الذين رفضوا اعتناق الإسلام قسراً ، فضلاً عن نهب الاموال وتهجير قراهم ومناطقهم التي رافقت دوماً تلك الحملات.
لم يقف تأثير الفتاوى السلبي على الايزيديين حتى بعد سقوط العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى ،وأتخذتها المنظمات والمجاميع الإسلامية المتطرفة كحجج وتبريرات للقيام بعمليات إرهابية ضدهم خلال الحكومات العراقية المتعاقبة وبخاصة عام ٢٠٠٧م عندما قام تنظيم القاعدة الإرهابي بتفجير اربع شاحنات محملة بال(TNT) في قرى الأيزيدية ( سيبا شيخ خدر وقرية العزير وتل عزير) جنوب جبل سنجار وراح ضحيتها ٣١٣ شخص و ١٥٠٠ جريح و مفقود وتهدم آلاف البيوت الطينية على رؤوس أصحابها ،وخسائر مالية قدرت بالملايين،وذلك بعد نشر فتاوى ومنشورات تحرض على قتل الايزيديين بأعتبارهم كفرة على حد زعمهم.
وعلى الأساس نفسه(الفتاوى، تكفير الأيزيدية) ، قامت الدولة الإسلامية في العراق والشام بغزو ايزيدخان الجنوبية(مناطق الايزيديين في العراق) ونتيجة لذلك ،أبادوا الايزيديين وقتلوا الآلاف منهم وسبوا اكثر ٦٤١٧ من الفتيات والنساء والاطفال وكالعادة تم بيعهن في أسواق النخاسة وتوزيعن على الأمراء والمجاهدين وممارسة ابشع جرائم الاستعباد الجنسي بحقهن، فضلاً عن نزوح و هجرة الايزيديين إلى شمال العراق والدول المجاورة ونهب دورهم وممتلكاتهم وتدمير المعابد والبنى التحتية.
واستمرت الفتاوى وخطابات الكراهية والتحريض ضد الايزيديين ومعتقداتهم حتى بعد الإبادة الجماعية،
وعَوَضاً عن قيام الحكومة بتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المقصرين والمتورطين في إبادة الايزيديين والاعتذار منهم وبناء مناطقهم من جديد ومساعدتهم مادياً ومعنوياً ، عوضاً عن كل ذلك، شاركت بخلق الإرهاب وحمايتهم مثلما حدث في يوم الخميس٢٠٢٣/٤/٢٧ عندما عادت أكثر من ١٥ عائلة من مسلمي السنة من المشتبهين بتورطهم مع داعش في ظل حماية الجيش من الموصل إلى داخل قضاء سنجار ،وتعرفت ناجية ايزيدية على أحدهم واكدت بأنها رأته أكثر من مرة عندما كانت مختطفة لدى التنظيم في الموصل ،مما دفع الايزيديين إلى القيام بأحتجاج ضد عودة السنة وحماية الجيش لهم بتلك الطريقة الاستفزازية والمهينة.
وقد استغلت الخلايا النائمة وبعض المتطرفين هذه المسألة وخرجوا من جحورهم واتهموا الأيزيدية باطلاً بالتعدي على جامع عبدالرحمن في سنجار،وعلى اثر ذلك صدرت فتاوى وخطابات الكراهية “٣٣٠٠ خطاب كراهي خلال يوم واحد و وصلت خلال اسبوعين إلى ٤ ملايين خطاب كراهية، مؤسسة مسارات ، سعد سلوم” صدرت من المتطرفين وبعض الملالي المسلمين وبخاصة في شمال العراق، على مرأى ومسمع الحكومة، تصف الايزيديين بعبدة الشر وتحث المسلمين على قتلهم وسبيهم.
صمتت الحكومة العراقية حيال كل تلك الخطابات التحريضية صمت أهل القبور ،ولم يتم محاسبة المحرضين و وضع حد لتطرفهم وتحقيق العدالة، مما أدى إلى ازدياد أعدادهم وإلى الاعتقاد بأن ما يقومون به هو الحق والحقيقة الأمر الذي شكل ويشكل خطراً كبيراً على الايزيديين ومكونات العراق غير المحمدية.
وبعد سنة وثلاثة أشهر من تلك الأحداث وتحديداً في يوم الذكرى العاشرة لإبادة الايزيديين الموافق يوم السبت ٢٠٢٤/٨/٣،اجتمع القائد الأيزيدي قاسم ششو وبعض الأهالي في مزار شرفدين شمال جبل سنجار لأحياء ذكرى الإبادة،القى كلمة تناول خلالها المخاوف وحملات الإبادة التي تعرض لها الايزيديين عبر التاريخ والتي كانت جميعها بإسم الدين الإسلامي،وقال(بما أن التطرف المحمدي موجود ،لن نخلص من الابادات) ورغم أنه وضح كلامه في بيان في يوم ٨/٥ مؤكداً بأن” القصد من كلامي كل المجموعات الإرهابية المتطرفة التي جعلت الدين الاسلامي سلاحاً للقضاء على المخالفين عنهم دينياً وفكرياً،ولم يكن في تصريحي أي إساءة إلى محمد نبي الاسلام كما روج البعض،فقد تم تحوير كلامي بشكل غير سليم وبعيد عن المقصد الذي قصدته”.
وبمجرد نشر كلامه استغله بعضهم لينطلق موجة جديدة من خطابات الكراهية من العوام والملالي المتطرفين ضد الايزيديين،زاعمين بأن قاسم ششو أساء إلى النبي محمد ، كما أصدر بعض الملالي فتاوى تحريضية ضدهم و وصفهم بالكفار وعبدة الشر، إذ رصدت منظمة بتريكور لحقوق الإنسان خلال ٢٤ من التصريح”٣٧٥٠ خطاب كراهية” ليصل العدد بعد يومين إلى أكثر من نصف مليون خطاب كراهية.
ونتج عن ذلك:
١- تأجيج مشاعر المتطرفين من العوام الذين هددوا بالهجوم على الايزيديين في المخيمات في محافظة دهوك ،مما سبب بمغادرة مئات العوائل الأيزيدية المخيمات تاركين خلفهم ممتلكاتهم متوجهين إلى سنجار للنجاة بأرواحهم.
٢-زرع مشاعر الخوف والقلق والرعب في قلوب الايزيديين الذين لازالوا يعانون من تداعيات الإبادة.
٣ صدور مذكرة قبض وتفتيش بحق القائد قاسم ششو من قبل محكمة استئناف نينوى كما تم رفع دعوات قضائية ضده في محاكم دهوك و اربيل وبغداد ، وبهذا الصدد كتب
الناشط الايزيدي مراد إسماعيل: “على الدولة ان تعامل الجميع بالتساوي، فإذا كان قاسم ششو يستحق مذكرة اعتقال، على الدولة ان تصدر ٢٠٠ الف مذكرة اعتقال ضد جميع الذين اساءوا لمقدساتنا وديانتنا”.
٤- اجتمع الآلاف من الايزيديين بكل فئاتهم اليوم الجمعة الموافق ٢٠٢٤/٨/٩ في مزار شرفدين بحضور القائد قاسم ششو وأصدروا بياناً بإسم المجتمع الأيزيدي ، أكدوا فيه على:
- نرفض بشكل قاطع أية إساءة إلى أي دين أو مذهب أو معتقد ونحترم جميع مقدساتهم. ونستند إلى المبادئ السامية لديننا باحترام وتقدير كافة الأنبياء والرسل والصالحين من كافة المجتمعات. ورغم أن الایزیدیة تعرضوا إلى عشرات الإبادات على أيدي المتطرفين، لكن حقوق حسن الجوار والتقدير المتبادل بيننا وبين المسلمين الشرفاء كان ولا يزال مستمراً وتربطنا بالإخوة المسلمين علاقات الجيرة وكرافة الدم.
- نرفض وندين بشدة خطابات الكراهية والهجمات الإعلامية المتطرفة ضد الايزيديين. كما نطالب بتشريع قانون يجرم خطابات الكراهية. كما ندعو الجميع إلى عدم الانجرار نحو خطابات الكراهية التي تهدد السلم المجتمعي.
- نوجه أنظار الحكومة العراقية وحكومة الإقليم والمجتمع الدولي إلى خطورة الوضع والمخاوف لدى المواطنين الايزيديين العزل وبشكل خاص في مخيمات النزوح وحالة القلق الكبيرة خوفاً من هجمات متطرفة ومن خروج الأوضاع عن السيطرة. ونحملهم المسؤولية الكاملة لحماية المواطنين العزل. كما ندعو المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل من أجل إيجاد حلول جادة لمشكلة الايزيديين وسنجار لكي يستطيع أبناء شعبنا أن يعيشوا بسلام في وطنهم تحت راية القانون دون تفرقة.
مواقف أخرى:
١- هناك مواقف جميلة من بعض الأشخاص من كل الأطراف عملوا على تهدئة الأوضاع وعدم تصعيد الموقف وحثوا الجميع بضبط النفس و وقف خطابات تحريضية، لكن عددهم قليل جداً مقارنة بالمتطرفين .
٢- وزارة الهجرة والمهجرين:وزيرة الهجرة”ايفان جابرو”توجهت بإستنفار كوادر الوزارة لاستقبال وتسجيل الأسر الأيزيدية التي غادرت من مخيمات دهوك إلى سنجار
داعيةً الأسر الأيزيدية إلى التوجه إلى مكتب الوزارة في قضاء سنجار لتسجيل عودتهم وشمولهم بالمساعدات العينية والمنح المالية.
رغم أن ذلك خطوة جيدة قامت بها وزارة الهجرة والمهجرين إلا أنها مقصرة وتباطئت كثيراً بمسألة عودة النازحين.
لذلك عليها أن تقوم بتصريف المنحة بشكل فوري دون إجراءات معقدة وتقدم مساعدات جيدة للعائدات وإلا ستتحمل جزء من المسؤولية في حال حدوث هجوم على المخيمات.
في الحقيقة هذا الكم الهائل من خطابات الكراهية والتحريضة وفتاوى التكفير ضد الايزيديين لا يأتي من موقف معين بعينه ،انما كراهية عميقة ومتجذرة في نفوس اصحابها وهم ينتظرون حجج ومبررات لافراغها ، لأنهم تربوا على الكراهية وعدم قبول الآخر المختلف.
خطابات الكراهية والالفاظ السلبية والقلق والخوف والتوتر والاستياء كل ذلك تنشر الأمراض وتأخذ الطاقة الإيجابية من ارواح البشر وتؤدي إلى نقص الحب الالهي وبالتالي هلاك البشرية والحضارة.
بهذه الأفكار المتطرفة لن تبنون دولة أو مجتمع أو حضارة راقية تقدم المحبة والسعادة للبشرية.
في الحقيقة هذه الخطابات التحريضية وبهذا الحجم المهوول لا يخرج إلى من مجتمع مريض يحتضر.