شنكال ، تحديات ما بعد العودة !
شهاب أحمد
يقف حسين احمد ( 45 ) عاماً امام خيمته القريبة من مدخل مخيم شاريا للنازحين الايزيديين في محافظة دهوك ، وهو يراقب حركة المغادرين إلى ديارهم في شنكال بعد ان اكملوا إجراءات عودتهم ، ويمني النفس بعودة قريبة مثلهم، وطي صفحة النزوح التي طالت أكثر من 6 اعوام في هذه الخيمة التي كانت رغم كل شيء الملاذ الامن له و لأطفاله الصغار .
كثيرة هي الاسباب التي تمنع احمد من العودة الى منزله في شنكال، من بينها انه يعاني من انزلاق في ظهره نتيجة الأعمال الشاقة التي كان يقوم بها لإعانة عائلته قبل ان يجتاح عناصر داعش قضاء سنجار في صيف 2014 ، والتي ضاعفتها معاناة الهروب القسري من قسوة داعش الارهابي ، وهو يحتاج الى مراجعة الأطباء بشكل دوري رغم الظروف الصعبة .
” لقد بدأت الحياة تعود شيئاً فشيئاً إلى جنوب سنجار التي كانت تخلوا من ساكنيها بعد عودة الكثير من العوائل خصوصاً إلى مجمع تل بنات في الآونة الأخيرة” يقول اران نواف ( 25 عاماً ) العائد منذ منتصف شهر حزيران إلى مجمع الوليد ( تل بنات ) الواقعة جنوب سنجار.
وتقدر احصاءات رسمية عدد العوائل العائدة حتى الان بحوالي ( 612 ) عائلة ، ومازالت عوائل أخرى تنتظر إنهاء الإجراءات بغية العودة، فيما مازال اخرون مترددون عن العودة في الوقت الحاضر على اقل تقدير.
اران الذي قام مع مجموعة من الشباب فور عودتهم بتأسيس ” مركز شباب تل بنات” ، يقول ” نعمل بشكل طوعي لخدمة أهلنا، ونعمل كحلقة وصل بين الاهالي والمنظمات الانسانية” ، متحدثا عن ” جملة من التحديات تنتظر العائدين إلى مناطقهم منها غياب الدعم الحكومي، ونقص تجهيز الكهرباء الوطنية، وعدم فتح الدوائر الخدمية بالسرعة المطلوبة كي يتسنى لتلك الدوائر تقديم الخدمات الأساسية للعائدين” الذين قال انهم” يعتمدون حاليا على المنظمات الانسانية ” متمنيا ان” تقدم هذه المنظمات مشاريع تسهم بخدمة المنطقة مع بداية العام الجديد”.
العودة مستمرة للنازحين الايزيديين إلى ديارهم في شنكال، والتي بدأت بشكل فعلي منتصف شهر حزيران من العام 2020، حتى اليوم تجاوز عدد الاسر العائدة أكثر من تسعة آلاف عائلة، والاعداد في تزايد.
ومازال الاهالي منقسمين بين مرحب بفكرة العودة و معارض لها في الوقت الحالي لوجود تحديات تنتظرهم .
حسب تقرير مكتب إنقاذ المختطفين الأيزيديين التابع لحكومة أقليم كوردستان ومقره في محافظة دهوك بتاريخ (2 – 9 – 2020 ) نزح أكثر من 310.000 إيزيدي اثر مهاجمة تنظيم داعش لمناطق سكناهم، فيما قام التنظيم بقتل 1293 ايزيدي في الأيام الأولى، وخطف الآلاف بمختلف اعمارهم، وقد تحرر حتى الآن حسب التقرير 3,000 شخص بعد مرور 6 اعوام على هجمات داعش، ومازال مصير أكثر من 2,500 مجهولا .
تقول شهادات شهود عيان ان من القي القبض عليهم تم التعامل معهم على أنهم كفار، واجبروا على اعتناق الإسلام تحت تهديد السلاح، ومن يرفض مصيره القتل، الى جانب اعتبار النساء سبايا وبيعهن في سوق النخاسة، وهو ما اظهرته مقاطع فيديو نشرها داعش في مواقعه على شبكة الإنترنت، واكدته شهادات ناجين وناجيات ايزيديات من قبضة داعش .
قائممقام قضاء سنجار محما خليل علي آغا وحسب بيان صادر من مكتبه الإعلامي بتاريخ 13 تشرين الاول 2020 ، يقول ” رغم مرور خمس سنوات على عملية تحرير مدينة سنجار الا ان المشهد المأساوي لم يغادر المدينة وابنائها “، مرجعا السبب الى” الصراعات السياسية فيها، والتدخلات الخارجية الإقليمية، وايضا وجود قوات غير شرعية متمثلة بحزب العمال الكردستاني الذي فرض قوانينه المجحفة الظالمة على الاهالي ، الذين عانوا منها وهم يرون مدينتهم تفتقد لأحبائها ” .
وأضاف علي آغا ، ” ما زال هناك 80 بالمائة من سكانها يقضون معاناة النزوح، ومازال هناك اكثر من 3 آلاف مفقود، فضلا عن المقابر الجماعية وغياب الخدمات، وعدم استطاعة الإدارة الشرعية للمدينة ممارسة عملها بسبب وجود هذه القوات غير الشرعية، ووجود التهديدات المتمثلة بوجود خلايا إرهابية داعشية نائمة على الحدود.”
علي آغا استنجد بالحكومة ل ” الاسراع بتنفيذ الاتفاق الذي ابرمته مع اقليم كردستان، والتي من شأنها ان استتباب الامن في المنطقة ونشر الأمن والأمان في ربوعها، لاسيما وإنها من أهم المناطق الإستراتيجية التي تضمن الأمن في سنجار”، معتبرا ان” فرض الامن في سنجار ينعكس على امن الموصل، وفرض في الموصل ينعكس على امن العراق”.
مؤكداً ان هذا الاتفاق بين حكومتي المركز والإقليم من شأنه أن يكون ” مفتاحا للحلول السياسية والإدارية والخدمية”، ودعا ” الجميع من قيادات ومرجعيات دينية وشخصيات قيادية ان تقف مع الحكومة لتنفيذ هذا الاتفاق الذي نال رضا أهالي سنجار وباتوا يتوقون ويطالبون بتنفيذه بقوة، لانه الضمان الأكيد لإزالة مخلفات عصابات داعش الإرهابية” .
الناشطة المدنية روناك سليمان ( 23 عاماً ) التي تسكن مخيم جمشكو للنازحين ضمن قضاء زاخو تقول: ” سندخل العام السابع و لازالت سنجار تعاني من الدمار و الخراب نتيجة اجتياحها من قبل تنظيم داعش وسلب ونهب دور الأبرياء من قبل تلك العناصر التي لم تترك شيئاً الا و قامت بتدميره ! ”
تضيف روناك ، ” كيف لنا ان نعود و مازالت سنجار تعاني من ازدواجية الإدارة ولم يتم محاسبة من اشترك في جرائم ضد الأبرياء من خلال محاكمتهم محاكمة عادلة كي تعيد الثقة لمن تضرر وقدم ضحايا بالعودة وعدم فتح الدوائر الحكومية وغياب العمل الجدي في مشاريع تهدف إلى إعادة البنية التحتية للمدينة التي كانت تعاني اصلاً قبل 2014 واليوم تعاني أكثر. ”
ومع حلول الغروب، يعود حسين احمد إلى خيمته بين أطفاله بعد يوم عمل طويل في الدكان الصغير الذي يعتمد عليه في إعانة عائلته، وهو على هذه الحالة كل يوم يفتحها في الصباح الباكر و يغلقها مع الغروب شاكراً ربه على مقدرته على الصمود رغم الآم ظهره التي تزداد شيئاً فشيئاً، والتي لم تنسه حلم العودة الى داره في اقرب وقت ممكن .
شنكال ، تحديات ما بعد العودة !
هذا العمل من نتاجات مشروع ( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة (MICT) الألمانية سنة 2021.