يلتفت “نايف” يميناً ويساراً وهو يمشي في أماكن غريبة لم يرها من قبل. تبدوا نظرات الناس إليه موحشة هو لا يعرف السبب، يراوده ذلك الشعور الغريب الذي لا يفارقه كلما أراد أن يخرج من الخيمة التي أصبحت مأوى لعائلته بعد نزوحهم إلى كردستان العراق.
نايف صبري (25 ربيعاً) شاب في مقتبل العمر، طموح ومثابر، لم يستسلم لظروف النزوح رغم صعوبتها ليستغل الفرصة بالعودة الى مقاعد الدراسة. كان طالباً في الصف السادس الإعدادي، وتمكن من عبور المرحلة بتفوق بعد حصوله على معدل 94.3 ليصبح العاشر بين الطلبة الناجحين بالمركز الأول.
يقول نايف، “حصلت على قبول في جامعة زاخو/ كلية الهندسة واستمريت في الدراسة لمدة عام ونصف إلى أن حصلت على منحة من الجامعة الأمريكية في السليمانية والتحقت بها إلى أن تخرجت من البرنامج التحضيري الأكاديمي، القسم الرئيسي في إدارة الأعمال والقسمان الثانويان في الإدارة والدراسات الدولية.”
فكرة تأسيس منظمة إنسانية
يتحدث “نايف” بحرقة وهو يتذكر مأساة النازحين ومعاناتهم خاصة في البداية، وكيف كانوا بأمسّ الحاجة إلى من يمد يد العون والمساعدة لهم. خطرت له مع زملائه داخل مخيم ” شاريا” تشكيل مجموعة تطوعية لتقديم المساعدات لهم قدر استطاعتهم والقيام بفعاليات من شأنها زرع البسمة على وجوه الأطفال.
يقول نايف، “سرعان ما ارتفع سقف الطموحات بعد نجاح الفكرة ومساعينا بتقديم المساعدات لفئات محددة، لنتقدم بطلب إلى دائرة المنظمات غير الحكومية في أربيل بهدف تشكيل منظمة غير ربحية أطلقنا عليها اسم “سنرايز” لننتقل بعدها إلى مدينة سنجار لمجرد تحريرها للمساهمة بإعادة الحياة إليها. وبالفعل أثبتنا نجاحنا في الفترة الأخيرة داخل المدينة وفي أطرافها بعدد لا بأس به من المشاريع التي تم تنفيذها وأخرى قيد الإنجاز.”
أهم نشاطات منظمة سنرايز في سنجار
أخذت منظمة سنرايز على عاتقها وفق ما ورد عن مسؤول المنظمة نايف صبري مساعدة العائدين والمساهمة من خلال مشاريعها بإعادة الروح إلى تلك المناطق. ومن أهم المشاريع التي تم إنجازها، ترميم المدارس في قرية الحاتمية ومجمع الجزيرة وناحية القحطانية ومجمع دوكري. كما قامت المنظمة بإعادة بناء وتأهيل مراكز صحية مختلفة في قرية رمبوسي وقرية الوردية، وإعادة تأهيل حديقة التآخي داخل قضاء شنكال وإنشاء مكتبة في مدرسة جبل سنجار في مجمع دوكري وفتح روضة شنكال للأطفال وعقد عشرات الدورات المهنية للشباب والنساء. وقد قامت لمنظمة بالاستجابة السريعة لانتشار جائحة كورونا من خلال تزويد أكثر من ٦٠٠٠ عائلة بسلات الغدائية و في أكثر من ١٠٥ منطقة ضمن حدود قضاء شنكال وقضاء بعاج.
في الثالث من آب عام 2014 فجراً، شن تنظيم داعش هجوماً على قضاء سنجار ذات الاغلبية الايزيدية، لتتمكن عناصره من السيطرة على المدينة بعد انسحاب كافة القوات الأمنية المكلفة بحمايتها دون أي مقاومة تذكر من قبلهم. وبحلول الساعة العاشرة صباحاً، نزح ما يقارب 350 ألف شخص إلى داخل جبل سنجار للاختباء فيها دون مأكل أو ملبس. بحسب احصائيات مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين / دهوك تم اختطاف نحو 6417 ايزيدي من قضاء سنجار وتحرر لحد الآن 3537 منهم ومازال مصير البقية مجهولاً.
تركو فندي الياس ٢٨ عاماً، حائزة على شهادة بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان من جامعة الموصل، إضافة إلى سرتفكيت تجميل لا جراحي من مركز اليمامة بغداد وسرتفكيت زراعة الاسنان من دهوك. تعمل تركو موظفة على ملاك صحة نينوى في مستشفى سنوني العام.
تقول ” تركو”، “قررت العودة إلى مسقط رأسي سنوني عندما وجدت أن الوضع يسمح لنا بالعمل وأن بإمكاننا إعادة إحياء للمنطقة من كافة الجوانب رغم الأوضاع السياسية غير المستقرة نوعا ما. وتضيف، ” يجب أن تكون لي ولأقراني مساهمة برفع المستوى الصحي للمنطقة مادمنا قادرين ونملك المقومات.”
ماذا فعلت تركو في سنجار؟
فتحت “تركو” عيادة ماسة لطب الأسنان الخاصة ولم تتوقف وساهمت مع صديقاتها بفتح مركز تان التجميلي في المنطقة. وتضيف،”خطرت لنا فكرة فتح هذا المركز لمساعدة الناس في المنطقة بالدرجة الأولى للاعتماد على أنفسهم والبقاء بالمنطقة قدر الإمكان حال توفر الخدمات التي تغنيهم عن السفر لمسافات بعيدة، وخاصة في مثل هذه الأوضاع الحرجة من طرق مسدودة أغلب الأحيان وبعد المسافة وغيرها من التحديات.”
توجه “تركو” رسالة لكل شاب وشابة وتقول، “يجب أن يكون لهم هدف بالحياة والسعي لتحقيقه بشتى الوسائل الممكنة خاص في منطقة مثل سنجار، تفتقر لأبسط سبل العيش الكريم. وبلا شك فإن تنفيذ المشاريع وضمان استمراريتها سيكون تحدياً كبيراً وهو بحاجة إلى تخطيط جيد وتنفيذ مدروس قدر الامكان.”
ورغم إعلان بغداد وأربيل في أكتوبر الماضي برعاية أممية التوصل لاتفاقية من أجل إعادة الاستقرار إلى سنجار وإعمارها، مازال آلاف النازحين الموجودين في مخيمات إقليم كردستان ينتظرون العودة إلى ديارهم حال تهيئة الأجواء المناسبة لعودتهم بعد أن اصطدمت تنفيذ الاتفاقية بعدة تحديات منها الملف الأمني وازدواجية الإدارة وغياب المشاريع الخدمية.
ثلاثة شبان في مقتبل العمر (بازيد حجي 21، فرحان حسن 22 عام وفؤاد الحسن 20 عام) يقطنون في مخيم جمشكو للنازحين/ زاخو. أخذوا على عاتقهم مهمة جمع الكتب وعرضها في مخيمات النازحين وأماكن أخرى داخل كردستان أيام العطل والمناسبات على شكل مكتبة متنقلة باسم ” شنگال تقرأ”، وذلك محاولة منهم ببناء علاقة بين الشباب والكتاب من خلال التحدث إليهم وإحضار الكتب من بغداد والموصل ومناطق أخرى والتجوال بها بين النازحين لتشجيعهم على القراءة.
قررت هذه المجموعة بداية شهر شباط من العام الحالي التوجه مع كتبهم صوب قضاء سنجار وبالتحديد ناحية سنوني لعرضها على العائدين إلى ديارهم بغية اقتناء ما يرغبون بها من كتب. واستمرت الزيارات إلى مركز قضاء سنجار ومجمع حطين ومجمع خانصور على أمل زيارة بقية المناطق، حيث يقول “بازيد” حول مدى استجابة الناس لهكذا نشاطات، “إن نسبة القرّاء في سنوني جيدة مقارنة بالمناطق الأخرى. نسعد لإيصال الكتاب إلى أيادي القراء في كل مكان، وتلبية طلباتهم قدر المستطاع، لأننا وجدنا أن هناك مناطق في شنگال تفتقر إلى وجود مكتبات والناس هناك بأمس الحاجة لمن يجلب لهم الكتب.”
ويواصل بازيد كلامه قائلاً، ” رسالتنا حاضرة في كل كتاب، هناك رسالة يحاول الكاتب إيصالها للقارئ بطرقٍ عديدة، ونحن نحاول إيصال هذه الرسالة والكتاب لكل فرد يحب المطالعة. لكل شيء في هذا العالم بديل لا بد منه، سوى الكتاب، مهما تغيرت الأزمنة، سيحتل الكتاب المرتبة الأولى في الأشياء التي ترتقي بعقل الإنسان إلى مراحل أسمى.”
يقف “نايف” فوق مرتفع يشرف على مسقط رأسه في مجمع العدنانية (كرزرك) التابعة لناحية القحطانية وهو ينظر إليها والحسرة في قلبه، شوارع خالية وبيوت طينية مهدمة. فهي المنطقة الوحيدة التي لم تعد إليها عائلة واحدة منذ نزوحهم في أغسطس ٢٠١٤ حتى يومنا هذا. ورغم ذلك يأمل “نايف” بتنفيذ مشاريع في مسقط رأسه حال عودة الناس إلى ديارهم لأن فيها نشوة لا يضاهيها شيء.
قائمقام قضاء البعاج أحمد يوسف أشار في لقاء له بداية شهر نيسان أن مجمع العدنانية والذي يتبع القضاء إدارياً يعتبر من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، ولم يتم تنظيفها حتى الآن من مخلفات تنظيم داعش، وبالتالي فهي تعتبر منطقة غير آمنة ولن نتحمل مسؤولية عودة الناس إليها ما لم يتم تطهيرها بشكل كامل.