إيزيدي نيوز _ تركية نواف خدر
بدأت رحلة المجهول في ليلة اجتياح تنظيم داعش الاجرامي لمنطقة سنجار دون وجهة تبشر بالخير، وأيقنت أنه كان المسمار الأخير الذي يطرق في نعش الإنسانية التي فقدت معانيها.
هذا ما تقوله نجلاء (اسم مستعار) من مخيم جم مشكو بدهوك، التي عانت من فقد الأهل والأصدقاء، نتيجة النزوح من مكان لآخر بسبب ملاحقة داعش وترهيبهم وقتلهم اختطافهم للايزيديين.
تعيش نجلاء (30 عاماً) وزوجها وأطفالها الأربعة في مخيم للنازحين في إقليم كردستان العراق، الواقع شمال العراق منذ سنوات، عانت وجميع الأيزيديين خلالها من جحيم الصيف، وبرد الشتاء القارس.
تقول نجلاء: “هاجم تنظيم داعش على قريتنا من الجهة الغربية في ليلة من الليالي، نهضنا مفزعين لمصيرنا المجهول، غادرت مع زوجي وأطفالي الأربعة سنجار مرغمين مفزعين دون أن نعلم وجهتنا، وكان شغلنا الشاغل في تلك الليلة أن ننجو بأرواحنا من أيدي هذا التنظيم الغاشم، ذهبنا سيراً على الأقدام إلى أن وصلنا إلى سفح جبل كان قد تجمع فيه آلاف من الأيزيديين بمختلف الفئات العمرية ممدين على الأرض، يعم المكان أصوات بكاء الأطفال، وأنين العجزة، وحسرات الأمهات والآباء، حاملين معهم قصص تقشعر لها الأبدان”.
نجلاء واحدة من بين 360000 ايزيدي نزحوا من مدينة سنجار إلى إقليم كردستان بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش في العاشر من حزيران/ يونيو من عام 2014، وسيطرة التنظيم على سنجار، وقاموا بخطف آلاف من النساء والأطفال وقتل 1293 شخصا، وبسبب الظروف الصعبة داخل المخيمات هاجر 100000 ايزيدي إلى خارج العراق للحصول على مأوى يحميهم من داعش، بحسب مكتب إنقاذ المخطوفين في دهوك.
” أصبحت الهجرة هي الخيار الوحيد لمعظم النازحين في المخيمات بعد مرور 6 سنوات من الإبادة الجماعية” تقول نجلاء.
مشكلة تهجير النازحين خلقت ظاهرة سلبية بعد هجرة آلاف باتجاه المناطق الأكثر أمناً، فكانت الحرب سبباً في التهجير ومواجهة الصعوبة في اندماج آلاف من سنجاريات مع عادات وتقاليد أهالي المنطقة النازحين إليها، تقول سناء وهي فتاة من سنجار هاجرت في الثالث من آب/ أغسطس عام 2014 إلى دهوك، مضيفةً: “مع مرور الوقت باتت لدينا القدرة على التفاعل مع المجتمع وتأمين مصدر رزق جيد أفضل من السنوات الأولى من النزوح”.
وتنهدت سناء قائلة بحسرة الدمعة تملئ عينها: “ نتمنى عودتنا إلى مناطق إقامتنا، لن نستطيع العودة إليها اليوم إلى أن ترجع سنجار كما كانت قبل اجتياح التنظيم عليها”.
تتميز سنجار بتنوع الديانات فيها، فيتواجد المسيحيين والايزيديين والعرب والتركمان والشبك، لذلك ما يقوم داعش وما يتبعه من هجرة الديانات الأخرى كالآف المسيحين من ديارهم ومصادرة ممتلكاتهم، سيؤدي إلى خلو محافظة نينوى وسنجار بشكل خاص من التركيبة الديموغرافية المتنوعة التي تميزت بها على مدى عقود، تقول سهى (23) عاما، وهي فتاة مسيحية لاجئة في إحدى الدول الأوروبية منذ عام 2014.
يواجه النازحين العائدين لمناطقهم تحديات عديدة كضعف الخدمات الصحية أوإنعدامها في بعض المجمعات إذ لا يمكن للمرضى أو من هم بحاجة إلى عناية في مستشفيات متخصصة أن يتلقوا العلاج اللازم، لعدم وجود الأطباء أو مستشفيات أو حتى بشكل ملحوظ، وتسارعت وتيرة هجرتهم إما للمحافظات الأخرى أو خارج الدولة العراقية طلباً للجوء هرباً من هذا التنظيم وإنقاذ أرواحهم”. او حتى مركز صحي مجهز بالأجهزة والمعدات الطبية الضرورية، إضافة لنقص المياه وعدم توفر الكهرباء بشكل دائم لتهالك البنية التحتية جراء الحروب.
الناشط الإيزيدي نواف عاشور يبيّن أن السبب في عدم رغبة السنجاريات من العودة من مناطق النزوح لمناطق نشأتهم لأنهنّ الضحايا وأكثر الفئات تعرضاً لأي هجوم إرهابي إذا ما قمنا بمقارنة عدد الأشخاص الذين أصبحوا ضحايا تنظيم داعش، مضيفاً أن المعاملة مع المرأة الإيزيدية يجب أن لا تكون كما كانت قبل مجيء داعش، يجب احترم المرأة الأيزيدية وأن يكون لها رأي ليس فقط في الأمور المتعلقة في الجانب الأسري، وإنما الشؤون المتعلقة بمصير المنطقة ومستقبلها السياسي أيضاً.
إن الصراعات السياسية وعدم استقرار الوضع الأمني وتدخل الجهات الخارجية في شؤون سنجار الداخلية، وعدم محاسبة من تورطوا في قتل وسبيّ النساء الإيزيديات حالت دون عودة سنجاريات لأهلهم، ودون التفات الحكومة إلى هذه المناطق المنكوبة.
يقول المحامي خديدا زياد، مستكملاً حديثه: “أن الحكومة العراقية غضت الطرف وأهملت عن تقديم الخدمات الأساسية كأبسط مقومات العيش للمواطن من ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات، ولم تنحرك بمبادرة ومساعدة المنظمات الدولية والإقليمية لتأمين حقوقهم.
وأوضح زياد أن المرأة الإيزيدية ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها بسبب الحرب واجتياح تنظيم داعش، إلا أنها استطاعت خلال السنوات الأخيرة كسب الثقة، وأصبح لها دور لائق في المجتمع من حيث جميع النواحي
كالسياسية والاجتماعية وغيرها، وتقلدها مناصب في إدارة المنظمات، والدوائر الصحية والحكومية الأخرى، وعملها في السياسية والحكومة، جميعها مؤشرات تدل على أن المرأة تمارس دورها الفعلي في ظل ما تواجهه من تحديات كوجود فئات تمنعها من المشاركة وعملها الحقيقي داخل المجتمع، أو عدم امتلاكها لمؤهلات تسمح لها في المشاركة في الأنشطة المجتمعية وغير ذلك.
تشكو عدد كبير من النساء السنجاريات من حالات الاضطراب النفسي والخوف ناتجة عن اثار نفسية وجسدية اثر تعرضهن للعنف والاغتصاب وكافة اشكال الترهيب من قبل تنظيم داعش.
وهو ما أكدته مديرة مركز دعم وتأهيل المرأة كوردستان عبد العزيز، والتي تعمل في مخيم مام رشان بالتعاون مع منظمة محلية ، مشيرة ان الممارسات العنيفة التي مورست ضد النساء السنجاريات اثناء اجتياح التنظيم والرعب الذي عاشوه خلال تلك الفترة ، أدى الى تدهور وضعهن النفسي والصحي ، وانعكس على سلوكهن في تعاملهن مع الاخرين ، او الرجوع لحياتهم الطبيعية .
مستكملة حديثها :” نتيجة الوضع المتردي في المخيمات وكذلك عدم وجود برامج ودعم من اجل عودة النازحات السنجاريات ازدادت حالات الانتحار بين السنجاريات بسبب عدم توفر الاخصائيين النفسيين في المخيمات ومتابعة حالتهن النفسية والصحية ، موضحة ان هذه المراكز تكمن اهميتها في تلقي النساء الدعم النفسي والاجتماعي على مراحل لحين تحسن وضعهن الصحي والنفسي ، ولكن العديد من النساء السنجاريات فقدن افراد أسرهن ، ويشعرون بالخوف والقلق من العودة الى سنجار ، وهذا ينعكس على وضعهن النفسي والاستمرار في علاجهن والتحسن في ذلك.”
ستبقى معاناة المرأة السنجارية تزداد في ظل الصراعات السياسية في سنجار، وخوفهن من العودة التي تعني تشريدهن من جديد أو وفاتهن.
هذا وأوضح معاون محافظ مدينة نينوى لشؤون النازحين، علي عمر كبعو، أن سنجار باتت ساحة لتصفية الصراعات وتهديدات تركيا بشن عمليات عسكرية واسعة ضد حزب العمال الكردستاني، ووجود ميلشيات غير شرعية، وعدم جدية الحكومة في دعم النازحات من خلال منحة الحكومية وتعويضهن مادياً ومعنوياً، وعدم شعورهن بالأمان والخوف من تكرار العنف بحقهن أدى إلى عدم عودة السنجاريات إلى مناطقهن”.
وكتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق.