منذُ فترة ليست بالبعيدة تعرفتُ على طبيبٍ جراح فلسطيني الهوية فهو ايضاً مقيم في المانيا ولكنه مسجل لدى الدولة ( مشرد ) او بدون وطن ( Heimatlos ) لان دولة المانيا لا تعترف بفلسطين كدولة ولهذا من الطبيعي ان يسجل هكذا ، دار بيننا حديث قصير في ممر ردهة الجراحة ومن خلاله تبين لي انه هارب من المنظمات والحركات الارهابية كحماس والقسام وغيرها من المنظمات التي يتم تمويلها من ايران لزعزعة امن المنطقة برمتها فايران وتركيا وقطر اصبحوا محور الشر في الشرق الاوسط مستخدمين حلفاء متمرسين في الارهاب بالفكر والسلوك والايديولوجية فكل فكر سواء كان صادر من مجموعة او منظمة او افراد اذا كان يقود الى قتل الابرياء فهو بلا شك فكر ارهابي بإمتياز وكما تلمست منه هذا الاستنتاج هو ايضاً تبين له اني هاربٌ من شرع الله وبالتحديد من( الله اكبر ) فالحقيقة نحن الاثنين ضحايا امة مشوهة لذلك كان الهروب لكلينا هو الحل الامثل وعلى اي حال لستُ بصدد شرح ما يحدث في العالم العربي لكي لا تصيبوا بالغثيان وانتم تقرأون هذة الكلمات ولكن ما اود اخباركم به هو موقف طريف حدث بيني وبين الطبيب الفلسطيني ، فقد كنا البارحة نعمل معاً لفترة طويلة ، وبعد ان نال منا التعب جاء وقت الاستراحة والتي هي عبارة عن نصف ساعة بين ساعات العمل لتأكل وتستريح قليلاً لتستجمع قواك وتعود الى العمل بشكل افضل وبما اننا في فترة الصباح فقد كان الفطور هو سيد الموقف ، ولذلك بحثتُ في اروقة المستشفى عن صديقي الجديد لنذهب معاً الى الكافيتريا حتى عثرتُ عليه وهو يشرح بلغته الركيكة حالة مرضية لاحد المرضى الالمان ، والالمان يا سادة وما ادراك ما الالمان فهم باختصار لا يقتنعون بشرح بسيط ولا يعترفون بالعبارات المقتضبة بل يجب ان تشرح لهم التفاصيل لاي اجراء تقوم به معهم، وهم بالتأكيد ليسوا كما يفعل المرضى عندنا فتقول له سنجري لك عملية فيقول لك حاضر بل يجب ان تشرح له بالتفصيل ماذا ستفعل بالضبط ولمادة وكيف وما مدة اخذ الادوية وما هي المضاعفات والاثار الجانبية وحتى الجرعة العلاجية وكيفية اخذها وهل هناك علاج فيزيائي ام لا والكثيرة من الاسئلة التي يرشقها عليك دون ان تنتهي ما بجعبته من اسئلة والتي يفترض بك ان تجاوبه عليها بجدية وهدوء وابتسامة ، ولأجل ذلك حاولت انقاذه من ذلك الحديث اللامنتهي واعتذرت من المريض وقلت له هذه الفترة القصيرة هي استراحتنا لذلك يجب ان ننصرف وربما يستطيع ان يشرح لك بالتفصيل بعد الاستراحة ، فما كان منه إلا الاعتذار والقول انه لم يكن يعرف ان هذا الوقت لاستراحتنا ، وقال لنا بالالماني ( guten Appetit ) اي استمتع بوجبتك او صحة وعافية ، فهم يقولونها دائماً مع الأكل فالالمان شعب مثقف ولكل وقت عندهم حرمته لا يزعجونك حينها ،فهم متفهمين ومنسجمين مع القوانين والنظام وهذا هو الجميل في حياتهم . قلت له هي الى الكافيتيريا فجاوبني بلهجته الفلسطينية ( مش عارف يا صلاح اذا كان الوقت كافي ؟! ) فقلتُ له مازحاً : تعال يا رجل فهي نصف ساعة نستطيع فيها ان نحرر القدس ايضاً ، فقد كنت امزح بالتأكيد ولم اكن اقصد اي إهانة او ما شابه ذلك والذين يعرفونني والمحيطين بي يعرفون اني امزح كثيراً وفي كل شيء حتى في الخطوط الحمراء عند رجال الدين مثلاً ، وما قلتُ ذلك حتى لاحظت في ملامح وجهه الانزعاج ثم نظر الى ساعته وهو يبتسم ابتسامة صفراء وقال : اه والله نصف ساعة كثيرة ونستطيع ان نحرر العراق ايضاً من ايران ، وقد ظن انه نال مني هو الاخر بهذا الكلام ولكني لم اهتم بكلامه كثيراً فالعراق محتل وهذه حقيقة فلما الغضب ، المهم ذهبنا الى الكافيتيريا وما زال الكلام عالقاً في ذهنه وكان يخشى اني قد غضبتُ منه بسبب ذلك ، فقال لي اتمنى ان تشرح لي ما يحدث في العراق فأنا احب العراق والعراقيين فقلتُ له لا استطيع ان اشرح لك ما يحدث في احدى شوارع العراق في نصف ساعة فما بالك عن العراق كله وهي محتلة كما قلت لي ،فأصر على ان اشرح له حتى ولو بشكل مختصر جداً لضيق الوقت ، فقلتُ له طيب سأخذك انت والعائلة كمثال فلا تغضب مني فالامثال تضرب ولا تقاس وبهذه الطريقة تستطيع ان تفهم اكثر ما يحدث بالضبط ، فرد عليّ : هذه فكرة جيدة وسأفهم اكثر . فقلت ُله سأختصر لك الموضوع بكلمات موجزة ، فتخيل نفسك انت العراق ، واهل زوجتك هم ايران ، فمثلاً حماتك هي من تحكم ايران ، واخوات زوجتك هم المليشيات المسلحة في العراق ، ورئيس القضاة هو ابو زوجتك ، واعمام زوجتك هم من يديرون الحرب في سوريا واليمن وفلسطين ، فأرجو ان تخبرني ماذا تستطيع ان تفعل في هذه الحالة ، فقال باستغراب : وزوجتي ؟؟ حينها تذكرت موقفاً حدث بيني وبينه ذات يوم حين دعاني الى منزله لتناول العشاء ، فقد كنا جالسين نتبادل اطراف الحديث عن هذه الامة العقيمة ، التي تنخر الجهل والتخلف والامية في عظامها ، هذه الامة التي تتعاطى الدين بشكل يومي من الوريد حتى اصبح لديها ادمان ديني لا يمكن الشفاء منه حتى في المصحات العقلية والنفسية . وبينما نتحدث ونستمع الى اغنية مارسيل خليفة الشهيرة ( اني اخترتك يا وطني فليتنكر لي زمني ما دمت ستذكرني ، يا وطني الرائع يا وطني ) ونحن منسجمين مع هذه الكلمات من الاغنية التي تستنهض الهمم العربية النائمة التي تعالج جميع قضاياها بالغناء ، وهز الاكتاف ، والتي تجد ضالتها في الغناء كلما خسروا حروبهم ، وفجأة يدخل علينا ابنهم الصغير مسرعاً لاهث ،كفريسة برية خرجت للتو من بين انياب الذئاب ، وامه تركض ورائه وهي تسب وتشتم ، فقفز الطفل الصغير خلف ابوه ليحتمي به ، وهنا بدأت امه تستعمل ( حق الفيتو ) بإرسال ( شحاطتها ) اليه وكأن هذه ( الشحاطة ) طائرة درون المسيرة دون طيار ، فحاولت صدها كما فعل المالكي عندما حاول منتظر الزيدي ضرب بوش الابن بحذائه في المؤتمر ، ولكن سرعة الشحاطة كانت تضاهي سرعة طائرة F16 ، فلم استطيع ان اصدها ، لتأتي على وجه زوجها لتطبع على خده رقم 42 ، فقد كنتُ مذهولاً افكر في طريقة التمس عذراً فيها لزوجته لكي لا يتشاجرا امامي ، ولكن الزوج كان حكيماً وهادئ ورزين وتعامل مع الموقف بروح رياضية ، والتفت ليمزح في وجهي ليبدد حرجي بالقول : احمد الله اني لم اسمع كلامها عندما اقترحت عليّ ان اشتري لها حذاء بكعب عالي عندما كنا في السوق ، لاننا لو اشترينا ذلك الحذاء لكانت انهت حياتي بهذه الضربة ، ثم رجع يتسأل بدهشة وانا افكر في هذا الموقف السابق ليقول لي : لقد مثلت لي دور حماتي وحماي واخوات زوجتي وحتى اعمامها ، فما دور زوجتي في معادلة العراق وايران وانت شرحت باقي الامثلة دون ان تشرح لي بالضبط ما هو دور زوجتي ..فقلت له اعتبر زوجتك السلاح المنفلت او السلاح الغير المرخص بيد العشائر ، فنظر اليّ بهدوءه المعهود ثم انفجر ضاحكاً ، وهو ينظر الى ساعته التي تشير الى انتهاء الاستراحة .