رغم تدمير داعش ل68 مزاراً
لا يزال الإيزيديون يحتضنون كل الديانات
شهاب أحمد
يقف مروان علوبي 50 عاماً ، الذي حرص على خدمة المزارات الدينية الايزيدية في منطقة بعشيقة منذ أن كان صغيراً وحتى اليوم فوق التلة المطلة على مزار شيخوبكر وهو يتذكر بألم و حسرة ما كان عليه هذا المكان قبل تفجيره من قبل داعش .
صور الخراب والدمار هي البارزة التي لا تفارق عيونه وهو يذرف الدموع فرحاً و حزناً قائلاً ” عدنا لارضنا ولن نموت ،وسنبني من جديد ما دمره أعداء الإنسانية بعد تحرير ناحية بعشيقة التابعة للموصل فمدينتي كنت ولا زلت اراها عراقا مصغرا يسكنها أغلب مكونات الدينية والمذهبية ” .
فشيخوبكر يعتبر أكبر مزار إيزيدي في المنطقة من حيث الحجم والقدسية التي يمتاز بها ، ويقع على بعد كيلومتر واحد شرق منطقة بحزاني، و 12 كيلومترا شمال الموصل ، حيث تم تفجيره في صيف 2014 عندما وقعت المنطقة بيد عناصر داعش .
المسؤول عن حملة الخلتمكارين ( المتطوعين ) لاعادة بناء المزارات الايزيدية المهندس خيري كدي يبين ” ان عدد المزارات التي تم تفجيرها و حسب احصائية دقيقة كانت 24 مزاراً و عدد النواشين التي تم تفجيرها 20 نيشان حيث قمنا بتنظيفها عام 2017 ” .
وأشار كدي ، ” ان جميع الاعمال التي قام بها الخلتمكارين كانت بجهود طوعية بعد ان وصلت لهم التبرعات المالية من الايزيديين داخل العراق وخارجه والتي اسهمت بإكمال جميع المزارات التي بلغت كلفة الواحد منها بحدود 25 مليون دينار إلى 35 مليون دينار عراقي “.
ويوصف كدي شعوره بأفتتاح أول مزار ( الشيخ بابك ) في نيسان 2017 ” عادة الروح من جديد إلى مدينتي الجميلة ببساتينها الخضراء و جبلها الصامد بعد إعادة بناء قبة المزار التي ارتفعت من جديد رغما عن إرادة خفافيش الظلام الذين حاولوا طمس الهوية الدينية للايزيديين من خلال تدمير مقدساتهم ” .
الكاتب والمهتم بالشأن الإيزيدي اياس جوهر سليمان يتحدث : ” نشأنا في مجتمع مليء بالمآسي والمعاناة التي كانت ناتجة عن عوامل كثيرة منها تتجلى في محاربة هذه الديانة من قبل المتطرفين من الديانات الاخرى بغية طمس هويتهُ الدينية والقومية وبالتالي تدمير كياننا الإجتماعي ، ونحن لانعلم لماذا كل هذه الجرائم بحق الايزيدية ؟ ألم يخلقنا الله لنكون عنصراً نافعاً ضمن كينونتهُ “!
ويواصل سليمان ، ” تعرضنا ل 74 ابادة جماعية من قتل واغتصاب وسبي وتهجير ، ولكن للأسف بعدما تأملنا خيراً وأمان لفترة محدودة من الزمن عاد علينا نفس السيناريو على يد أعداء الإنسانية والسلام ( داعش ) حيث سيطر على المناطق الايزيدية وفعل فعلتهُ بالايزيديين مرتكبا أبشع الجرائم بحق الانسانية ابان اجتياح سنجار ”
ويؤكد ” ان هذا التنظيم اللاانساني قام بسبي النساء وقتل الرجل والأطفال ونهب خيرات هذه المنطقة ، وفجر الاماكن المقدسة التي تعود لهم في اب عام 2014 واحتلال عناصر داعش أيضاً لمنطقة بعشيقة وبحزاني ، وقيامهم بتفجير الاماكن المقدسة وسرقة ممتلكاتها وتفجير منازل الناس ومصادرة خيراتهم ” .
لم ينسى سليمان المزارات الايزيدية التي تم تفجيرها في بعشيقة وبحزاني ويقول ” كانت هذه المزارات اماكن يقصدها الايزيديون والمسيحيون والمسلمين أيضاً حيث كانت بعشيقة وبحزاني مدينة التاخي والسلام اذ يشارك الاخ الايزيدي اخوه المسيحي والمسلم في المناسبات السعيدة والحزينة أيضاً والعكس صحيح ولكن داعش الإجرامي عمل بقوة ليكسر هذا التعايش السلمي ولكنه فشل فشلا كبيرا لان الشعب من مختلف الديانات والطوائف اتحد لمحاربة هذا التنظيم الاجرامي .”
وحول مزار الشيخوبكر يقول ” هو دردائيل في صفته الناسوتية صاحب الخرقة المقدسة ، وهو معلم الدين ومربي للشمسانية ولرجال الدين الفقراء لابسوا الخرقة بالاضافة إلا أن الشيخوبكر اصبح مربياً للأخوة الاربعة (الشيخ شمس والشيخ فخر و سجادين و ناسر دين ) حيث قام داعش بتفجير مزاره في منطقة بعشيقة وبحزاني ( بحزاني تحديداً ) ولكن اهالي بعشيقة وبحزاني بالعزم والإصرار والتعاون عادوا وشيدوا المزار مره ثانية في ايلول 2017 ” .
ففي إحصائيات دقيقة لمنظمة حقوق نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي فان داعش قد خلف 81 مقبرة جماعية تضم المئات من الرجال والنساء والاطفال في سنجار .
وهناك احصائية اخرى نشرتها المنظمة الايزيدية تبين ان مقاتلي التنظيم المتطرف دمروا 68 من المزارات و المعابد الإيزيدية بهدف محو الهوية الايزيدية اذ ترجع تلك المزارات الى آلاف السنين منها في بعشيقة وبحزاني كمزار الشيخ حسن ، مزار ناسردين ، مزار الشيخ شمس ، مزار السيعد ، مزار الشيخ مند و مزار الشيخ بابك وفي مدينة سنجار ومزار امادين ، ومزار بيري اورا و مام شفان .
الناشط و الإعلامي نصر حجي دوملي يقول عن أهمية هذه المزارات ، ” تحضى المزارات الدينية الايزيدية بمكانة واهمية دينية ليس فقط لدى الايزيديين ، لا بل كان يقصد هذه المزارات ابناء المنطقة ومن مناطق اخرى ، ومن مختلف المكونات الدينية والقومية والمذهبية من شبك وعرب وكورد ومسيحيين اما لغرض السياحة والاصطياف وخاصة في ايام الطوافات واعياد الربيع. او لغرض العلاج الديني. ”
يضيف دوملي ، ” يقصد الايزيديون المزارات بكثرة في ايام مساء الاربعاء والجمعة لاداء مراسيم الزيارة او لزيارة القبور، وعادة يكون في ايام عيد راس السنة (السري سالي) وصيام وعيد ايزي، وايام الطوافات وعيد خدر الياس. ومن اهم التقاليد هي تقديم النذور والاضاحي والخيرات. وتقديم سفر الطعام عن روح امواتهم. وكذلك عزف الدف والشبابة والتراتيل الدينية من قبل جوقة القوالين والمجيور” .
كما أشار دوملي ، ” حتى اليوم ياتي اناس من الموصل وبغداد والبصرة وكركوك ودهوك واربيل ومحافظات اخرى لغرض تلقي العلاج الديني. وهذا طبعا يعزز العلاقات الثنائية بين الايزيديين مع بقية باقي المكونات والاطياف ويقوي التماسك الاجتماعي بين الجميع ” .
لقد ساهمت المنظمة الايزيدية بتوثيق اعمار عدد من المزارات في سنجار بعد انتهاء العمليات العسكرية في كافة الأراضي العراقية في كانون الأول عام 2017 من بينها مزار مام رشان الذي فجره تنظيم داعش الارهابي أثناء اجتياحه قضاء سنجار في أب 2014 .
رغم الالم الذي تركه تنظيم داعش الاجرامي الا ان المزارات الايزيدية عادت وفتحت ابوابها من جديد لتحتضن كل مكونات ومذاهب الشعب العراقي ، كما يقول مروان علوبي .
هذا العمل من نتاجات مشروع ( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة (MICT) الألمانية سنة 2021.