حكومات العراق الإسلامية…أضطهاد وتهجير قسري للايزيديين

تعرض الايزيديين في العصر العثماني إلى الكثير من حملات الإبادة والمآسي والظلم والتهميش،إذ فقدوا خلال ذلك العصر آلاف مؤلفة من الأرواح البريئة وفقدوا جغرافيتهم ومناطقهم وتعرضوا للهجرة القسرية من مناطقهم كما حدث لأيزيديي تركيا وهجرتهم إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
وبعد التحرير البريطاني للعراق وسقوط الخلافة العثمانية ، ظن الايزيديين بأن عصر حملات الإبادة والتهجير القسري قد ولّى دون رجعة لكن خاب ظنهم مع تأسيس المملكة العراقية الفتية 1921،فقد تعرضوا مجدداً للتهميش والاضطهاد والاهمال من دولتهم في الوقت الذي كانوا يحتاجون إلى مساعدتها لألتئام جروحهم، وكان عدد الإيزيديين آنذاك أكثر من (26000) ألف نسمة، إلا أنه لم يكن لهم حضور، ومشاركة ضمن الأقليات الدينية في مؤسسات المملكة العراقية، وخصوصاً مجلس النواب العراقي الذي شكل عام 1925 ، تعرضوا إلى الكثير من التهميش وحملات طمس هويتهم القومية الأيزيدية منذ نشوء حكومة العراق إلى اليوم .

تعرض الإيزيدية إلى الكثير من المآسي في تركيا وسوريا كما العراق، واستمرت معاناتهم واستهدافهم من أنظمة الحكم في العراق ومن محيطهم الإسلامي ،بدأت المحاولات الرسمية لنظام حزب البعث في سبعينات القرن الماضي في تعريب مناطق الإيزيديين وحرق ونهب قراهم بسبب انضمام نفر من الأشخاص الايزيديين إلى الاكراد في ثوراتهم ضد العراق، فهل يعقل هذ؟! هل يعقل أن يتم تعريب وتهجير وحرق قرى الأيزيديين بسبب كم نفر منهم انضموا إلى الاكراد ! هذه السياسات مارستها حكومات العراق الإسلامية عن قصد ضد الايزيديين ومكونات العراق الاخرى. وكانت سبباً في تغيير واقعهم الاجتماعي، والاقتصادي والمعيشي،قامت الحكومة العراقية بوضع خطة ممنهجة لتعريب القرى والمناطق الإيزيدية، ومن أجل ذلك منحت أراضي الإيزيدية للعشائر العربية التي تم استقدامها للمنطقة ،وأغلب هؤلاء قاموا بقتل وسبي الايزيديين آب ٢٠١٤، وذلك بعد أن قامت السلطات العراقية بترحيل أهالي (121) قرية للإيزيدية في سنجار وإسكانهم في (12) مجمع قسري وترحيل أهالي (62) قرية للإيزيدية في أقضية شيخان وتلكيف وزاخو للفترة 1974–1987. وإسكان العشائر العربية في مناطقهم وخصوصاً عشائر اللهيب، والجبور والمتيويت والحديدية.وضمن خطة ممنهجة لتجريدهم من هويتهم القومية الأيزيدية سجلوا عرباً في الإحصاء – التعداد السكاني الرسمي عام 1977 رغماً عنهم والتي أدت إلى تقوقع الإيزيدية في مناطق سكناهم، وأصبح كل همهم الحفاظ على خصوصيتهم الدينية، وتراجعت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية فيما بينهم. ولم تكتف السلطات بعمليات الترحيل والتعريب، بل “أصدر مجلس قيادة الثورة، قرارا برقم (358) في 6 آذار1987 يقضي بمصادرة جميع الأراضي العائدة للإيزيديين بعد أن رحلوا عنها عنوة أيضا في منطقة الشيخان، وتوزيعها على العرب فيها. وإلى يومنا هذا أراضي الايزيديين غير مسجلة بأسمهم.
إن التشريعات التي كانت الحكومة تتعامل بها مع الإيزيدية لم تتعدَّ سوى بعض القرارات الخاصة بالمكونات غير المسلمة، مثل تطبيق قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل عليهم، وكانت أحكام هذا القانون سارية لغاية صدور نظام رعاية المكونات الدينية رقم (22) لسنة 1981 الذي أصبح نافذاً من 18/ 1/ 1982، والذي بموجبه استثنى الإيزيدية من اختصاص محاكم الأحوال الشخصية، وأصبح النظر في دعاوى الأحوال الشخصية الخاصة بالإيزيدية من اختصاص محاكم المواد الشخصية”.الباحث خضر دوملي.

اشتدت ممارسات الحكومة العراقية ضدهم، واستمرت محاولات تغيير الواقع الديموغرافي والتغيرات الإدارية في مناطقهم واستمر الحال هكذا ولم يتوقف مع سقوط نظام صدام في نيسان ٢٠٠٣ ،إذ خلقت حكومة العراق مادة ١٤٠ السيئة الصيت وصارت مناطق الأيزيديين في سنجار وبعشيقة وبحزاني وسهل نينوى مناطق متنازعة عليها وتم هضم حقوقهم واجبروا على التهجير القسري إلى أوروبا بسبب الاضطهاد الذي مورس بحقهم.وظلت اربيل وبغداد في صراع مستمر إلا أن غزا داعش موصل وبعض مناطق العراق ومنها سنجار وبعشيقة وبحزاني التي تعرض الايزيديين فيها إلى إبادة جماعية ،إذ تم قتل الرجال بعد أن أعطاهم داعش خيارين لا ثالث لهما إما اعتناق الإسلام ثم القتل أو القتل،وبيع الفتيات والنساء في اسواق النخاسة،وتدريب الأطفال في معسكرات الدولة الإسلامية ليكونوا مجاهدين في سبيل الله.فضلاً عن السلب والنهب وتدمير البنى التحتية. وإجبار الآلاف على النزوح في شمال العراق والهجرة إلى سوريا وتركيا ومن ثمّ إلى بلدان أوروبية.

ومع مرور اكثر من ثماني سنوات على ابادتهم إلا أن ٨٥ بالمئة منهم نازحين ويعيشون في مخيمات ومصيرهم مجهول وبخاصة مع إهمال كلي من قبل حكومة بغداد وعدم وجود دعم وبرامج لعودتهم إلى مناطقهم وتوفير حياة حرة كريمة لهم.
وفي الافترة الأخيرة بدأ نزيف الهجرة من جديد في مخيمات النزوح والذي يمزق جسد المجتمع الأيزيدي،إذ يشهد كل يوم هجرة مئات النازحين الايزيديين بطرق غير شرعية ويتعرض بعضهم للاعتقال وعمليات الإتجار بالبشر والضرب والضياع والغرق في البحار، خلاصاً من الاضطهاد واملاً في الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية أو امريكا او استراليا، و لا نشك في أن وراء هذه الظاهرة (الهجرة القسرية) قوى وايدي ظلامية خططت وتنفذ اليوم مخططاتها في هجرة الايزيديين وبالتالي إفراغ العراق منهم مثلما حدث في سوريا والعراق في القرون الماضية.

وأسباب هجرة الايزيديين للخارج كثيرة يمكن تصنيفها كما يلي:

1- الاحساس بخيبة أمل وفقدان الثقة بالحكومة العراقية بعد غزو داعش لمناطقهم .
2- الشعور بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية.
3- التمييز الموجود في اغلب الأصعدة الحياتية.
4- تنامي الفكر السلفي الاسلامي الراديكالي وعدم وجود برنامج حكومي للحد منه وردعه.
5- عدم تقديم الخدمات الحياتية لمناطقهم وعدم وجود برنامج واضح لإعادتهم إلى بيوتهم.
6- عدم التحقيق في أسباب غزوة سنجار وسقوطها ومساءلة المقصرين.
7- اعتقال الناشطين لمجرد الكتابة والتعبير عن أرائهم.
8- الشعور بعدم وجود ضمان كامل للعيش الكريم.
9- رؤية ضبابية للمستقبل مع تناقص الولاء والانتماء للوطن.
10- هنالك حالة من اليأس التام بين الناس في ظل الظروف السيئة والصعبة لحياة المخيمات.
11- ظهور انتهازيين ومرتزقة يتاجرون بالقضية الأيزيدية.

12- وجود عدد كبير من النساء الأيزيديات سبايا لدى داعش مع عدم الرعاية الكافية للناجيات منهن.(حسو هورمي، الفرمان الأخير، ط١).
13-اهتمام الحكومة العراقية بإيواء عوائل داعش والاهتمام بهم اكثر من الضحايا.
14-دستور العراق، دستور لا انساني لا يتساوى فيه مكونات العراق ،ويحتاج العراق إلى دستور إنساني مدني يكون فيه اسم ( اوروك)دين الدولة الرسمي.
15– فقدان الثقة بالآخر المسلم.
16- صراعات الأحزاب الكردية على مناطقهم ومحاولاتها إلغاء دين الايزيديين والسيطرة على تلك المناطق.
17-ان السبب الاكثر قوة وشراسة في تواصل ظاهرة هجرة الايزيديين القسرية في العراق هو الاضطهاد الاسلامي المستمر ضدهم وليس الاضطهاد المسيحي أو المندائي أو الهندوسي أو البوذي.

كتّاب وناشطين ايزيديين يتحدثون عن أسباب هجرة الايزيديين القسرية للخارج ،إذ يقول الناشط المدني حسين سعيد ” لم تكن هجرة وتهجير الأيزيديين نحو الدول الأوربية والأمريكية وليدة اليوم ، ولا لسبب معين وكان ذلك نتيجة عدة أسباب:
١- عدم منحهم الحقوق والحريات بما يتساوى مع نسبتهم ويحفظ كرامتهم ويراعي خصوصيتهم .
٢- عدم تشريع قوانين مدنية ضمن الدستور يراعي خصوصيتهم الدينية ، وعدم تجريم الخطاب الديني الطائفي المتشدد الذي يستند على احاديث دينية ويسبب الأذى و الضرر بالآخرين من غير ديانات.
٣- خيبة أملهم بالحكومة بعد طول انتظار وخاصة بعد تعرضهم إلى سلسلة من النكبات والإبادات وأمام مرأى ومسمع الحكومات وآخرها كانت في ٢٠١٤ التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء وتم سبي النساء والأطفال وحرق وقتل البقية من المخطوفين من دون رادع .
٤- عدم تهيئة واعمار مناطقهم وتعويضهم من قبل الدولة وحكومة نينوى بعد خراب ودمار مناطقهم نتيجة حرب داعش الإرهابي وتجاهل الأغلبية في مخيمات النزوح المأساوية من دون عودة وتعويض ومعالجة أوضاعهم المأساوية بما يشعرهم بالحس الوطني والمسؤولياتي ويضمن لهم الحياة ويوفر لهم الإستقرار النفسي دون البحث عن وطن بديل يوفر لهم مقومات الحياة الكريمة .
٥ – عدم عودة الدوائر الخدمية وتشكيل إدارة جدية لسنجار وتوفير فرص العمل للعاطلين بما يضمن مقومات المعيشة الخاص بهم”.

أما الكاتب والروائي شهاب احمد فيقول:”تكمن أسباب الهجرة من وجهة نظري بوجود تقصير واضح من قبل الحكومات المتعاقبة في توفير أبسط الاحتياجات بغية إعادة النازحين إلى ديارهم خصوصاً وأنه وبحسب أرقام شبه رسمية لازال هناك أكثر من 85% من الإيزيديين الذين نزحوا من قضاء سنجار في آب/ 2014 نازحين حتى اليوم في مخيمات اقليم كردستان العراق وهي معرضة للاحتراق في اية لحظة وبالتالي هلاك العوائل.

نستطيع ان نقول ان المواطن الإيزيدي فقد الأمل بهذا البلد في ظل ما يعانيه من ظروف سياسية واقتصادية شائكة عصفت بجميع المكونات والطوائف لكن حصة الأسد منها كانت للإيزيديين نظراً لتعرض مناطقهم إلى مخطط شبه مدروس كان الهدف منه بالدرجة الأساس إفراغها منهم وبالتالي نجاح مخطط التكفيرين والدواعش الذين مارسوا هذا النوع من العمليات وبطرق مختلفة على مر التاريخ من خلال شن الحملات العسكرية ضد الايزيديين العزل ورغم فارق القوة والعدة لم يتمكنوا الاستيلاء على مدينة سنجار وظل جبلها صامداً بوجه الظلم.

ختاماً لابد الاشارة إلى الأزمة الاقتصادية الموجودة وجيوش العاطلين والتي أثرت كثيراً ودفعت بشريحة الشباب خصوصاً بالمغادرة والتوجه نحو أوربا بحثاً عن حياة أفضل ومستقبل مشرق لاطفالهم بعيداً عن الصراعات والحروب”.

شارك الايزيديين في الدفاع عن العراق وأرضه بكل اخلاص وقدموا تضحيات، ولهم بصمات واضحة في حضارة العراق الإنسانية عبر العصور ، ولم ينصفهم الدستور العراقي والحكومات العراقية المتعاقبة على دست الحكم ،ويتلقص اليوم عددهم بسبب الهجرة القسرية ،موجة بعد أخرى ،وهذا مؤشر خطير ينذر بأفراغ العراق من أحد مكوناته الأصلية إذا لم يتدارك (الحكومة) العراقية وكل المسلمين الانسانيين بالبلد تداعياته من خلال معالجة الأسباب أعلاه.

Exit mobile version