جهاد النساء، هل هي ظاهرة عابرة ؟
شاناز هيرانى
عندما نتحدث عن ظاهرة (جهاد النسائية) نرى انها ظاهرة شائكة ومعقدة، بسبب تطورها التاريخي منذ ظهور الحركات الجهادية، بدءاً بتنظيم القاعدة ووصولاً إلى تنظيم داعش، بل منذ نشوء جماعة الإخوان المسلمين وانتشارها.
وأحد أسباب تعقيد و غموض هذه الظاهرة، هو عدم الاهتمام بها، واعتبارها ظاهرة هامشية، طارئة وعابرة، وأنها مجرد هامش للتنظيمات الجهادية؛ في حين يمكن اعتبارها تعبيراً عن تغير نظرة الإسلاميين المتشددين إلى دور المرأة. فكيف انتقلت المرأة الجهادية من الدور الثانوي بصفتها (حَرم) الرجل، وربة المنزل، ومربية الأطفال، إلى دور يشبه دور الرجل في الجهاد، ابتداءً من الهجرة، ووصولاً إلى الانتحار، مع أن الجماعات الإسلامية المتشددة لا تعترف بحقوق متساوية للنساء والرجال؟
وكيف تجاوزت تلك الجماعات قواعد فقهية متعددة حتى وصلت المرأة الجهادية إلى ما وصلت إليه، ليس على صعيد المجتمعات العربية فحسب، إنما على صعيد المجتمعات الإسلامية في العالم أجمع؟
في بلدان العربية اكتفت وسائل الإعلام بوصف جانب من جوانب الجهادية النسائية، المسمى بـ (جهاد النكاح)، ولم تبحث في الدوافع النفسية والسياسية وراء ظهور تلك الحركة الغامضة وخطرة، وهذا الأمر يقوم على تحيز ذكوري يرى أن الرجال مسؤولون عن أفعالهم، في حين أن النساء، إما مشاركات رغماً عنهن، أو ضحايا لهذا الحادثة. ونتيجة لذلك لا تعد النساء غالبا ارهابيات محتمات، ولا ينظر إليهن كأفراد يشكلن خطراً، على غرار نظرائهن من الذكور في حال تورطن بالإرهاب.
رغم تغير نظرة الإسلاميين إلى دور المرأة، إلا أن ذلك لم يعبر، حتى اليوم، عن تغير في أساس هذه النظرة، لان المرأة ما تزال أداة، في مختلف الأدوار الموكلة إليها. أداة للحفاظ على النوع، وأداة للقتل والتفجير والتدمير، أو أداة لتأدية خدمات لوجستية، ربما أخطرها التجسس والإعلام أو الإخبار! فقد لجأت معظم السلطات الشمولية إلى توظيف النساء لتأدية هذا الدور، الذي يمكن أن يتفوقن فيه على الرجال، إضافة إلى عسكرة النساء، تحت شعار المساواة، ولا تختلف في ذلك الجماعات الإرهابية، التي تجند النساء والأطفال عن النظم والسلطات الإرهابية.
وحسب رأي كثيرين من الباحثين و ودارسين، الذين لهم دراية عالية بقضايا الاصولية والجهادية الاسلامية. يرون أن غالبية النساء الجهاديات حاصلات على شهادات عالية في التعليم: كالطب والهندسة والعلوم، وأن معظمهن يتمتعن بوضع اقتصادي جيد، أو لا بأس به، وقد كشف هذه الدراسات عن وجود خلفية فكرية، أو هوية إسلامية، لهذه الظاهرة، تبدأ بالفكر الوهابي، وتنتهي بالمرأة الداعشية والمهاجرة والانتحارية، مروراً بالحركة الإخوانية، ثم الحقبة الأفغانية، مما جعل النساء الجهاديات يعشقن الشهادة.
كل هذا كان دليلاً على أن التطور التاريخي لدور النساء الجهاديات في الإسلام قد تحول من الدور التقليدي الذي لعبته المرأة في الفتوحات الإسلامية؛ أي الدور اللوجوستي والتعبوي أو التحريضي، أو كربة منزل، وإعداد الطعام للمقاتلين، إلى العمل الإرهابي تحت ذريعة الدفاع عن الإسلام والمسلمين.
وكان تأثير الفكر الديني في النساء أقوى من الظروف السوسيولوجية المحيطة بهن، فأنصار الجهاد يرون أن انخراط المرأة في المعركة إذا داهمهم العدو، هو أحد واجباتها، ويحق لها الخروج من دون إذن زوجها، فحق الله أولاً، وأن الصحابيات هن خير مثال في الدفاع عن الدعوة الإسلامية، وخير قدوة للنسائية الجهادية.
وعليه نرى أن النسائية الجهادية اتبعت أسس الجهادية العامة التي قويت جذورها في ثمانينيات القرن الماضي، والمبنية على أيديولوجية دينية، وأسسها الدفاع عن الهوية الإسلامية ضد الغرب، باعتباره عالماً واسعاً وغريباً من الحداثة والعولمة، وبرزت النسائية الجهادية في تلك الحقبة مناهضة للنسوية العالمية، مع أن التناقض الواضح في أهدافها يتجلى في طريقة الفعل الذي تقوم به النساء الجهاديات، فقد بدلن أدوارهن، كربات منازل ومربيات للأطفال، بأدوار قتالية تتنافى مع دور النساء التقليديات، من هنا بدأ النقاش والجدل وإعادة تعريف دور النساء الجهاديات، فلم تعد حركتهن تقتصر على معارضة النسوية العالمية؛ إنما بدأت بالتمرد علىى الدور التقليدي الذي لا يخالف مبدأ النسوية العالمية، لكن بطريقة مشوهة، ومخلة …
… من ثورات سلمية إلى (كفاح مسلح)، في تطّور النسائية الجهادية، وباتت صور النساء المنقبات المشاركات في المظاهرات الاحتجاجية مألوفة، إلا أن اشتداد قوى الثورة المضادة، بعد أقل من عامين، ساهم في استعادة القاعدة لجاذبيتها، وبات العالم العربي ربيعاً للجهادية إضافة إلى انتشار الأدبيات الجهادية والفقهية والفتاوى التي تُعزز دور النساء في الجهاد، ودور وسائل التواصل الاجتماعي التي نشطت في نشر الفكر الجهادي الذي يقوي عزيمة النساء على الجهاد، ما سهل عملية ترويج الأفكار السلفية بينهن، وباتت النساء تدير المواقع الإلكترونية الخاصة بالجهات المتطرفة، كالنصرة و الداعش ، وأكدت الإحصائيات حول هذا الموضوع؛ أن نسبة 40% من تلك المواقع تديرها فتيات تتراوح أعمارهن بين 18 إلى 25 عاماً.
إذاً، نحن أمام إشكالية ذات وجهين: الوجه الأول ديني السياسي يتمثل في الدفاع عن الهوية الدينية والهوية الوطنية، في آن معاً ضد الأنظمة الديكتاتورية في البلدان الاسلامية، والوجه الثاني: هو محاولة إثبات الذات النسائية في أماكن صنع القرار، ومواجهة النظام الاجتماعي الذي همش النساء، والنظام السياسي وجعلهن يبحثن عن بديل معاكس للصورة النمطية في مجتمعاتهن…