بين اول لقاء وموت سريري، حب بدأه العيد ودفنه داعش
هادي سعدو
في قرية قديمة التاريخ جديدة المبنى عشق فتاة للوهلة الاولى وللمرة الاولى في حياته، عين تصر على دخوله لعالم الهوى والمواعيد والسمر واخرى تصفها بالمجازفة في هذا العالم المليء حديثا بالزيف والخذلان والنسيان والبدلاء.
في احداث شنكال الدامية في اواخر 2014 هرب “عماد” والتحق بالمسيرة التي تضم ما يقارب 300 الف انسان ايزيدي حاف من كل شيء نحو جبل ظمْآن هو الاخر. ساعات الفجر المضوية من نار السلاح والمظلمة من وحشية حامليه كانت تحمل رسائل نصية مرة ورنة هاتف تارة اخرى بين متيم لاول مرة وعشيقته التي ترتعد كسائر نساء البلدة، فالتنظيم الارهابي المهاجم يقسو كثيرا خلال وثائقياته التي تنشرها جميع القنوات الالكترونية والفضائية واصبحت فيديوهاته المواد الاكثر رواجا وانتشارا والاكثر ارسالا بين الهواتف النقالة من خلال اجهزة البلوثوت وكلها تحت تسميات مهيبة “داعش تقطع رأس بايع سجائر، داعش ترجم شابا كان شرطيا ، داعش تزاول رياضة القدم برأس شاب كان يحملا هاتف نقال”. فالعناوين تقتل الروح قبل رؤية المادة ،والتي عرف المقصد منها فيما بعد بنشر الذعر بين الناس والاستسلام مقدما لحاملي الرايات السود.
عماد الدارس توا في جامعة صلاح الدين في اربيل يخصص منذ الشهر الرابع من العام ساعة للاتصال بفتاة لم يسبقا ان التقيا الا لمرة واحدة ولمدة دقيقة واحدة فقط لينطلق منهما تهيج قلبي وعيون مراهقين يعانيان خلال اتصالهما من قلة الكلام فكل منهما جاهلا لحمل الغرام والرومانسيات ويسيطر عليهما الخجل فهما قد بدأا الحب توا.
تمر الايام بطئا على ناشئين في المجال وهما ينتظران انتهاء امتحانات راس السنة التي تأجلت لسوء حظهما بسبب شهر رمضان الذي اخذ نصف شهر من الشهر السادس ايضا ليتأجل لقاءهما وتبقى وحيدتهما ويتيمتهما تلك الدقيقة الاولى التي التقيا فيها في عصر عيد راس السنة والذي كان يصادف السادس عشر من شهر مارس.
خيوط حب عن بعد وبوساطة هاتفي نقال بدأ يكبر داخلهما والتفكير بان مجرد تجربة لم يعد موجودا فالحب لا يعرف المسافات واصبح يزرع في قلبَي قرويين يران في سمر الليل وعتمته لذة حيث موعد اتصالهما الذي بدا بمساحة ساعة ليتجاوز الساعات فيما بعد فالحب يكبر ليطيل التواصل ويخلقا علاقة طردية.
يعبر التاريخ منتصف شهر السادس لينتهي جدول الامتحانات المزدحم والذي ارهق الفتى المتيم جديدا فتشغله المحاضرات المكثفة وتطردها بذور عشق مفاجئ لتشتت ذهن شاب يدخل عالم مختلف تماما.
الطريق من اربيل الى شنكال كان يجب ان يمر من دهوك ثم ربيعة فشنكال فالتنظيم المذكور قد سيطر تماما على مركز موصل الذي كان يقرب البلدة من اربيل.
تعيش كوردستان وعدة محافظات عراقية ازمة وقود حادة فالسواق يتجنبون الذهاب بعيدا لترتطم التحضيرات بلقاء اخر مرتقب ثلاث ايام اخرى ثم تسقط الصدفة سائق خط شنكالي امام الباب الرئيس للحرم الجامعي لينقل عماد الى قريته بعد ست ساعات من القيادة لسيارة تحمل سبعة ركاب. تحمل تموز معه اجواء عراقية مشحونة ونقص في جل المواد الحياتية فالتنظيم يتمدد ساعة بعد اخرى وتسقط بلدات وتنسحب جيوش دون الدخول الى معارك على ارض الواقع مع جنود الدولة الاسلامية، وفي ظل حرارة تموز اللهاب وسخونة الوضع العراقي ينبض قلبي عماد وحبيبته كل يوم بنغمات الحب الذي ينشر فيهما جوا ربيعيا يعاكس كل ما حولهما فالحب اكبر من الحرب. عماد الملتقي بحبيبته عصر يوم العيد والذي صادف الثاني من اغسطس/اب يذهب لفتح حقيبته كل ساعة لالقاء نظرة على هدية حبيبته الذي اهدتها له بمناسبة العيد يرفض تفكيره الانجرار وراء ما يقال وينشر عن نية التنظيم بغزو شنكال بعد ساعات ويكتب في مذكرته الخاصة ما دار في لقائهما متجاهلا الاخبار المرعبة التي جعلت كل العوائل الشنكالية تفرش امام شاشات التلفزيون لمعرفة ما يحدث اكثر في داخل موصل وردات فعل المسؤولين العراقيين وهم يدخلون كل رأس ساعة لقاعات المؤتمرات لاتهام بعض دون البحث عم حلول.
يدخل التنظيم شنكال ويفتك بأهلها وارضها ويزرع ميكروباته وهم يسيرون فيها حفاة بجلابيب تعبر الركبتين قليلا وهم لهاف لذبح الايزيديين وسبي نساءهم وتجنيد اطفالهم وهذا ما جرى بالفعل ولم يستطيع الايزيديون لحد الان من التعثر على الاف الايزيديين المختطفين منذ ذلك اليوم رغم اعلان انتهاء داعش على الارض.
تدخل سيارات باعلام سوداء لقرى وبلدات شنكال جميعا، تخطف من لم يستطع اللحاق بالجبل وتنهب كل الاموال وهذه غنائم حرب شرعه القانون والشرع حسب منظورهم لتدخل هذه الفتاة ذا الثامن عشرة سنة تحت مخالب عنصر داعشي ويذهب بها الى غير رجعة.
تمر الساعات وينتظر المراهق الميتم اتصالا منها حيث وفي صبيحة الهجوم اجريا اتصالا قبل ان يركض هو نحو الجبل واعدا الفتاة برؤيتها في الجبل وهي الاخرى تنتظر قرار اهلها بالذهاب مسرعا نحو الجبل الذين يبعد عنهم مسافة 10 كيلو متر قبل الانقضاض عليهم بسيارات تابعة للتنظيم.
خبر خطفها مع عائلتها انتشر بعد دقائق كالنار في الهشيم بين الناس المقربة وهم يتداولون الخبر حيث يروي شاهد الحادثة وهو قد خبأ نفسه بين علف للحيوانات ويوصف وحشية عناصر التنظيم معهم وعويل الاطفال والبنات يهز عرش السماء دون اية رحمة من قبل الخاطفين الذين ابرحوا رب العائلة دون مقدمات وانهالوا عليه بالشتائم تحت مسمى(ايه الايزيدي الكافر).
ايام مرت بطعم العلقم ودموع تنهمر بأستمرار من عيني الفتى وهو يفترش الارض بالقرب من الحدود السورية متوجها عبرها الى اقليم كوردستان بعد احتلال داعش لكافة المساحات الاخرى ليسيطر عليه الجفاف وهو دون اكل وشرب لايام ويفقد سوائله عبر الدموع السايلة والعرق الذي اختنقه في شهر اب اللهاب وهو يمرض اكثر فأكثر ليدخل مستشفى سورية تابعة لقوات كوردية سورية بعد ان اغمي عليه هناك نتيجة الجفاف الذي اصلب هيكله.
بعد ايام في المشفى وتحسن حالته اخذته عائله معها الى اقليم كوردستان وهو يخنق لفقدانه نصفه الذي لم يكتمل بعد.
يفترش هو ارضا في مدرسة خصصت للنازحين في الاقليم وتفترش هي الارض في مدرسة في تلعفر قبل ان تأخذها عناصر التنظيم الارهابي الى سوريا مع شقيقتها دون اهلها البقية.
تسكن مع الفتاة في رقة عشرة فتيات ايزيديات اخريات في نفس البناية قد اختطفتهن داعش ايضا، تحمل احداهن هاتفا من النوعية العادية تتصل به لحظات بأهلها ثم تطفئه وتخبئه بين جدائلها وتغطيها بقطعة قماش سوداء لبستها لهذا الغرض، ورغم صعوبة وخطورة الموقف طلبت منها ان تهاتف لثوان باهلها لتتصل به ب”عماد” الذي تابع توا اهم خطابات “اوباما” وهو يقول(نحتاج لثلاث سنوات كي نستطيع ان نقضي على تنظيم داعش)، يرن هاتف عماد برقم غير مسجل ضمن ارقامه يرد ببرودة واعياء (الو) لينصدم مباشرة بعدها بصوت حبيبته التي جعتله ضائعا شاردا التفكير فاقدا الامل بالحياة ثانية.
“عماد اني بسورية وفرقوني عن اهلي” وهي تبكي بحرقة، هذا ما نطقها حبيبته قبل ان تفصل الخط دون ان تتصل ثانية وتغلق الخط نهائيا، جعل الدموع تنهمر بغزارة من عيني عماد دون ان يستطع التكلم.
تمر شهور دون خبر وتدخل عماد نوبات من المرض والتفكير تجعله شخصا عصبيا، يصرخ كثيرا على من حوله ويصبح انعزاليا، توصي اقرباءه بمراجعة اطباء نفسانيين.
ما مضي من معاناة لم تكن الخاتمة فأسوأ الاخبار لم يستقبله “عماد” الا في التاسع من شهر ايار2015، حيث تلقي حبيبته بنفسها من البناية التي اسيرت فيها ومن طابقها الثاني ملقية نفسها على الارض لتنهي حياتها التي قد فقدها منذ فصلها عن حبيبها الاولِ واهلها لتضع بذلك حدا لايامها العصيبة وتجعل حبيبها مريضا نفسيا ينقل من ردهة لاخرى ويفقد الكثير من ذاكرته، وهو قد سافرته اهله تهريبا الى احدى مخيمات يونان وهو يعيش هناك بأنعزال تام تعجز المنظمات عن ايجاد علاج له.