بعد مأساة “داعش”.. الإيزيديات والبحث عن فرص لحياة حرة جديدة

على مر التاريخ عُرف عن المجتمع الإيزيدي الانغلاق والعزلة بسبب الفقر والقيم المحافظة، بيد أنه بعد سبع سنوات من مأساتهم على يد تنظيم “داعش” في العراق، انفتح هذا المجتمع على العالم وكانت الإيزيديات المستفيد الأكبر منه.

لم يجد وفد من السائحين العراقيين والألمان سوى الترحاب من الناشط الإيزيدي لقمان سليمان وهو يستقبلهم في معبد لالش  للأقلية الإيزيدية، الأمر الذي ظهر جلياً في حديثه لهم: “نحن نرحب حقاً بزيارتكم”.

ويُعد معبد لالش الذي يقع عند أطراف محافظة دهوك في شمال العراق، مقدساً عند الأقلية الإيزيدية، إذ يحج إليه الكثيرون حيث يتعين على كل إيزيدي المجيء إلى المعبد مرة واحدة على الأقل في حياته، بيد أن اللافت هو أن هذا المعبد بات مؤخراً مقصداً للسائحين بشكل كبير.

يقول سليمان وهو الناطق باسم إدارة المعبد: “من المهم حقاً أن يأتي الناس إلى هنا ويستمعون إلى الإيزيديين. لا ينبغي أن يكون مصدر الحديث عن الإيزيديين عبر أشخاص غير إيزيديين لأنهم قد يتحدثون عنا بشكل خاطئ”. وعٌرف عن الإيزيديين التحفظ والسرية داخل المجتمع العراقي بشأن دينهم وطقوسهم، بيد أنه اُعيد تسليط الضوء على هذه الأقلية بعد ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق عام 2014، حيث استهدف مسلحو التنظيم الإرهابي الإيزيديين والإيزيديات وجعلهم  عرضة للاستعباد في مأساة  صنفتها كيانات دولية مثل  برلمان بلجيكا باعتبارها إبادة جماعية. انفتاح على العالم

وعلى وقع دحر “داعش” من العراق عام 2017، تغير المجتمع الإيزيدي وبات يعيش في الوقت الحالي قرابة 240 ألف منهم في مخيمات النازحين شمال العراق معظمهم يقبع في فقر مدقع.

بيد أن اللافت فقد طرأت على المجتمع الإيزيدي بعض التغيرات التي لم تكن متوقعة في السابق، وهو ما أشار إليه مراد إسماعيل، وهو ناشط إيزيدي ورئيس “أكاديمية سنجار” في شمال العراق التي توفر التعليم لأبناء الأقلية الإيزيدية.
ويضيف إسماعيل بالقول: “لقد انفتح المجتمع الإيزيدي كثيراً فلم يعد لدى هذا المجتمع ما يخفيه. اعتقد في الماضي كثير من الأشخاص أنه من الأفضل عدم مناقشة القضايا المتعلقة بالهوية أو الدين. لكن أعتقد أن العالم اليوم أصبح متحمساً وداعماً أكثر للإيزيديين وهو الأمر الذي يشجعهم على أن يكونوا أكثر انفتاحاً”.

وفيما كان يشرح لزوار معبد لالش تاريخ الإيزيديين وإرثهم، أصر سليمان على أن “الإيزيديين أنفسهم لم يتغيروا. لقد بدأ العالم فقط في التركيز علينا. لذا أصبح المزيد من الناس حتى ممن كان لديهم معرفة مسبقة بالإيزيديين يعرفون عنا الآن الكثير. وهو ما جعلنا أكثر انفتاحاً”.

مناخ حر جديد

وأشار سليمان في حديثه إلى الوفد السياحي إلى أن أحد التغيرات الكبيرة واللافتة التي طرأت على المجتمع الإيزيدي حصول المرأة في المجتمع الإيزيدية على المزيد من حقوقهن قائلاً: “قبل مجيء تنظيم داعش، لم تكن المرأة الإيزيدية تتمتع بحريتها في مغادرة قريتها بدون ولي الأمر”.

وأضاف: “لكن بعد دحر داعش، أصبح المجتمع الإيزيدي أكثر انفتاحاً. فقد أصبح للنساء الحق في مغادرة قريتهن  والسفر إلى أوروبا”.

وقد أكدت على هذا التغير نافين سموقي، وهي صحافية من الطائفة الإيزيدية، مضيفة: “في الماضي، لم يكن يتقبل المجتمع هذا الأمر. لكن بعد نزوح العديد من الإيزيديين، فقد اضطر العديد منهم إلى العيش في مناطق مختلفة من العراق ما أدى إلى اندماجهم أكثر وأكثر”.

وقد أوضح أحد سكان شمال العراق من الإيزيديين ذلك بضرب مثالاً على حياة الإيزيديين قبل مأساة داعش وبعدها. أضاف لـ DW: “تخيل أنك جئت من مجتمع زراعي منعزل بدون موارد وفيرة حيث لم يتجاوز مستوى التعليم المدرسة الابتدائية. وبعد ذلك تم تهجيرك لتعيش في مخيم حيث تتواجد منظمات غير حكومية تدير برامج في التعليم وحقوق المرأة. لذا حدث تغيير في المجتمع الإيزيدي”.

سيدات يقدن سيارات

وأشارت سيموقي إلى أن سنجار كانت في السابق مدينة منعزلة، مشيدة بالتغيير الذي طرأ على المدينة خاصة على حياة النساء.

وقالت يوجد في سنجار مدارس لتعليم النساء قيادة السيارات بل هناك الفتيات إيزيديات يدرسن في الجامعات فيما شاركت فتاة إيزيدية، وهي أميرة عطو، في مسابقة ملكة جمال العراق لعام 2021.

أما المدير التنفيذي لمبادرة نادية، عابد شمدين، فقد ذكر أن الجرائم التي ارتكبت في حق الإيزيديين من قتل للرجال واسترقاق للنساء جعل العديد من الإيزيديات يتحملن العبء الأكبر.

يشار إلى أنه تم تأسيس مبادرة “نادية” من قبل نادية مراد وهي ناشطة إيزدية وفي عام 2014 اختطفها مسلحو داعش بعد أن قتلوا ستة من أشقائها وتعرضت على أيديهم للاغتصاب.

وفي عام 2018، نالت مراد جائزة نوبل للسلام وقبل ذلك بعامين عينتها الأمم المتحدة سفيرة لمكافحة المخدرات والجريمة للنوايا الحسنة وفي العام نفسه فازت بجائزة ساخاروف التي تعد أرقى جائزة أوروبية في مجال حقوق الإنسان.

وتساعد “مبادرة نادية” الإيزيديات في الحصول على فرص للتعليم والعمل وإنشاء مشاريع خاصة بهن وهو الأمر الذي كان له تأثيراً كبيراً على المجتمع النسائي، حسبما قال شمدين.

وأضاف في حوار مع DW: “لقد رأينا أن هذه المشاريع كان لها تأثيراً إيجابياً كبيراً على الإيزيديات. فبعد التدمير الكبير الذي تسبب فيه داعش، اضطرت النساء إلى أخذ زمام المبادرة”.

ويشارك في هذا الراي إسماعيل، رئيس “أكاديمية سنجار” في شمال العراق، مضيفاً: “تحظى الإيزيديات اليوم بفرص أفضل في التعليم والتوظيف. هناك عدد أكبر من النساء العاملات والبعض منهن يمتلكن مشاريع تجارية صغيرة أو يديرن منظمات غير حكومية. هذا أمر جديد جدا بالنسبة للإيزيديين و الإيزيديات في العراق”.

الطريق ما زال طويلاً

ورغم ما تحقق من تغيير إيجابي في حياة الأقلية الإيزيدية خاصة للنساء، أكد كثيرون على أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين فعله. وفي هذا السياق يوضح عامل سابق في أحد مخيمات شمال العراق أنه لا تزال هناك تفرقة في التعامل مع الناجيات الإيزيديات اللاتي تعرضن للاستعباد والاعتداء الجنسي من قبل مسلحي “داعش” وُعدن إلى منازلهن.

وأوضح ذلك بقوله: “البعض منهن مرحب به من ذويهن لكن البعض الآخر غير مرحب. الأمر يمثل كارثة رغم أن المجتمع الإيزيدي لا يرغب في الحديث عن هذه المشكلة”.

وأضاف بالقول: “كل هذه الحقوق الجديدة التي تتمتع بها المرأة الإيزيدية لا تزال مشروطة بالحصول على إذن من ولي الأمر. التغيير يتطلب وقتاً طويلاً”.

بدوره يقول إسماعيل: “بالتأكيد لا يزال هناك بعض المشاكل الاجتماعية”، مضيفاً: “سيستغرق الأمر وقتاً كما يتطلب تعلمياً أكثر. لكني أعتقد أن الإيزيديات كن قدوة يحتذى بهن أثناء جرائم الإبادة الجماعية. لقد كن في طليعة الأمر وأصبحن الآن رموزاً”.

 

كاثرين شاير/ م.ع

ساعدت في إعداد التقرير خلود العامري



Exit mobile version