نرمين نعمت – ناجي حجي :
نجح النازحون من قضاء سنجار والمناطق التابعة له نتيجة هجوم تنظيم داعش عليه في صيف 2014، والذين ينتشرون في أكثر من 20 مخيما باقليم كردستان، في ابعاد فيروس كورونا عن مخيماتهم رغم الاكتظاظ الكبير فيها والمرافق المشتركة لها والتي تجعلها بيئة مناسبة لانتشار الفيروسات.
وبحسب نازحين ونشطاء، فان التزامات سكان المخيمات بالارشادات الصحية وتطبيقهم لتعليمات حظر التجوال واجراءات التباعد الاجتماعي في حدودها الممكنة، هو ما منع من انتشار الفيروس الخطير في المخيمات الى الآن.
يقول النازح “خليل بوكو” الذي يسكن مخيم “شاريا” للنازحين التابع لمحافظة دهوك، ان نجاح النازحين من ابعاد الفيروس عن المخيمات جاء نتيجة الجهود المشتركة للحكومة والمواطنين وذلك من خلال “تنفيذ معظم التعليمات و الإجراءات الوقائية التي صدرت خصوصا المتعلقة بالحجر المنزلي والتزامهم بالبقاء في أماكنهم”.
ويرى بوكو ان النجاحات التي تحقق لابعاد الفيروس من المخيمات طيلة هذه الفترة “تعتبر إنجازا عظيما يحسب للنازحين”، منبها في الوقت عينه الى ان “المخاوف ما تزال قائمة وامكانية انتشار الفيروس(COViD- 19) في مخيمات النازحين بإقليم كوردستان وارد بسبب البيئة المستقبلة للفيروسات نتيجة للاكتظاظ السكاني والعيش في خيم نايلون مساحتها اربع أمتار مربعة”.
ويضيف ان “ضعف وقلة الخدمات العامة في المخيمات والمرافق الصحية المشتركة بين المواطنين فيها، تشكل خطرا حقيقيا على صحتهم، بالاضافة الى مشكلة انقطاع المساعدات والمعونات الإنسانية التي كانت تقدمها منظمات المجتمع المدني مع انشغال اغلب دول العالم بالفيروس وسبل مواجهته والتدابير المتعلقة بتداعياتها الاقتصدادية على الدول”.
ويتابع بوكو انه مع تخفيف الاجراءات فان الخطر يكبر في المخيمات “خاصة مع فترة الحضانة الطويلة للفيروس داخل جسم الإنسان ومن ثم سرعة انتشاره في حال وقوع اصابة غير مكتشفة في المناطق المكتظة كالخيم التي تعيش فيها أحيانا عوائل تتألف من سبعة افراد أو أكثر”.
الخوف من الجوع والفقر
نازح آخر فضل عدم ذكر اسمه، أشار الى المخاوف التي عانوا منها خلال هذه الفترة، قائلا ان “مخاوفنا الاكبر لم تكن من الفيروس وخطورته بل لمتابعتنا المستمرة للانباء العالمية والمحلية التي تخص إحصائيات عدد المصابين والوفيات، والأخبار المرعبة لتكدس المستشفيات بالجثث في بعض الدول والتي اخذت الحيز الاكبر من متابعاتنا اليومية حتى أصبحت كالغذاء اليومي”.
ويضيف :”كل ساعة كنا نسمع ان الفيروس حصد الاف الارواح في البلد الفلاني وأصاب الملايين من البشر حول العالم…… والأخبار من هذا القبيل شلت حركة الحياة بالكامل تقريبا، وارعبت الناس خاصة مع التهويل الاعلامي حتى اصبح المرء أكثر عرضة للامراض النفسية والجسدية نتيجة كمية القلق والهلع المتولد في نفوسنا، والذي زاده الخوف من الجوع والفقر في ظل ترجيحات حصول انهيارات في الاقتصاد العالمي”.
ويتابع ان “الناس في الأسابيع الماضية كانت تخشى من تفشّي الفيروس في المخيمات التي تأوي آلاف النازحين الشنكاليين، عقب اكتشاف عدة حالات في دهوك، ولكن بهمة الحكومة واجراءاتها المبكرة وبالتعاون الشعبي والتزام الناس بالتعليمات كانت النتيجة المتحققة إيجابية وفي صالح المواطنين والحكومة في آن واحد”.
ويرى نازحون ان الاجراءات المبكرة التي اتخذت لمواجهة الفيروس والكم الهائل من التدابير الوقائية المشددة من قبل الحكومة والقطاع الصحي واللجوء الى فرض حظر شامل على الأفراد والمركبات العامة ومنع التجمعات وإلزام الناس بالبقاء في بيوتهم وحجرمن يأتي من خارج البلاد، كلها ساعدت على منع دخول الفيروس الى المخيمات ما منع من حصول كارثة.
تقول النازحة جميلة علي، وهي ام لثلاثة أطفال، ان سكان المخيم “التزموا الى حد كبير بكل التعليمات وتجنبوا الاختلاط بقدر المستطاع، وكانوا يقومون عشرات المرات يوميا بغسل ايديهم بالصابون، وحتى استخدام المعقمات وتنظيف المواد التي يستخدمونها”.
دور منظمات المجتمع المدني
ومارست منظمات المجتمع المدني، دورا جيدا في مسألة التوعية وسبل الوقاية من الفيروس في المخيمات، الى جانب مساهمتها في حملات التنظيف والتعقيم ودعم ادارة المخيمات بالمواد الصحية.
يقول المهندس احمد، المشرف على أعمال الصيانة ومحطات وحدة المياه والمعالجة في منظمة رياح السلام اليابانية التي تعمل في مخيم “شاريا” للنازحين، متحدثاً عن الإجراءات الوقائية التي اتخذت للحد من تفشي الفيروس في المخيمات، ان “المنظمة قدمت خطوات استباقية جيدة قبيل ظهور الفيروس، وأقامت حملات توعية وقائية عن كيفية انتقال الفيروس والحفاظ على النظافة الشخصية وكيفية استخدام الصحيات المشتركة، بهدف الحفاظ على سلامة النازحين، وكل ذلك عن طريق موظفيها والمتطوعين من النازحين معهم”.
ويضيف ان حملات التوعية تمت “باستخدام آليات مختلفة منها تلصيق البوسترات في الاماكن العامة وتوزيعها على النازحين، وكذلك نشر الموضوعات الوقائية على شبكات التواصل الاجتماعي، وقيام النشطاء المدنيين المتطوعين بتشكيل مجاميع شبابية وتحويل السوشيال ميديا الى منابر لتوعية الناس”.
ويتابع ان “الفرق التنظيفية الخاصة بالمرافق المشتركة ضاعفت جهودها وخصصنا لها مواد تعقيم اضافية لأجل سلامة النازحين”، مشددا على اهتمامها الخاص بالجانب الصحي لمنع الفيروس”نفذنا مخطط طوارىء في المنظمة لتعزيز التدابير الوقائية وتوفير قدر اكبر من المواد الصحية وتوزيعها على النازحين” .
ويستطرد ان “المنظمة سلمت مواد صحية لإدارة المخيم التي بدورها قامت بتوزيع المواد على العوائل النازحة وبطريقة تمنع التجمعات”، مشيرا الى ان تلك الجهود ساهمت في إبعاد خطر الفيروس.
الخطر كان كبيراً
مدير المركز الصحي في مخيم “شاريا” الممرض شكري خديدا، تحدث عن المخاطر التي تواجه المخيمات، قائلا ان “نسبة خطورة انتشار الفيروس هنا كانت أكبر من باقي المناطق نتيجة سوء هيكلية المخيم والمساحة الضيقة وتقارب العوائل مع بعضها، والأسوأ من ذلك الصحيات المشتركة بين النازحين التي تشكل مصدر خطورة كبير”.
ويرى ان قرارات واجراءات حظر التجوال الشامل وعدم خروج الناس من المخيم وعدم السماح للاخرين بالدخول إليه “قللت الخطورة بشكل كبير” .
ويوضح شكري ان المخيمات ماتزال خالية من الإصابات تماما وحتى من المشتبهين به، متوقعا ان “يبقى الوضع بهذه الإيجابية، بشريطة التزام الناس بالتعليمات”.
ويشير الى ان “المخاوف من انتشار الفيروس لا تقتصر على مخيم شاريا فقط، فالاف النازحين يعيشون في المناطق المجاورة داخل حدود محافظة دهوك، وانتشار الفيروس في أي مخيم قد يشكل كارثة صحية تزيد من معاناة النازحين الذين يعيشون في أجواء صعبة وفي بيئة تفتقر إلى الكثير من الشروط الصحية المناسبة”.
وعن التدابير الوقائية، يقول شكري “قمنا وفق الامكانات المتاحة بتكثيف الجهود المتعلقة بنشر المعلومات الصحيحة وتوعية النازحين لإبعاد هذا الوباء من المخيمات، خاصة من خلال نشر المعلومات المتعلقة بالنظافة الشخصية والتدابير الوقائية المعمولة من منظمة الصحة العالمية و وزارة الصحة العراقية”.
وينبه الى أن وقوع أي إصابة في تجمعات النازحين القريبة من بعضها البعض مثل مخيم شاريا “سيعني انتشار سريع للفيروس ربما يصعب السيطرة عليه، لذا ينبغي على الاهالي الحيطة والحذر والاهتمام بالتعليمات الصحية لمنع الفيروس من دخول المخيمات”.
ويخلص شكري الى القول ان “قلة عدد الاصابات في محافظة دهوك نسبةً الى غيرها من المناطق، امر جيد ومبشر بامكانية تجاوز هذه الأوضاع الصعبة بسلام” .
هذا العمل من نتاجات مشروع( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة (MICT) الأكاديمية الألمانية للإعلام بالتعاون مع (IOM ) منظمة الهجرة الدولية سنة 2020 .