من معسكرات داعش إلى ميادين العمال … كارثة “الحرمان الدراسي” تحل بأطفال الإيزيديين
أطفال ناجون من داعش حرموا من طفولتهم وفقدوا فرص التعليم
ميسر الأداني
كل يوم وهو في طريقه الى العمل بحقل زراعي قريب، يطالع مجدل خليل (17 عاما) الشارع المؤدي الى مدرسة مخيم خانكى الذي يغص بالطلاب وهم يحملون حقائبهم. يمسك بكلتا يديه التي تملأها التشققات بكيس عدة العمل وكأنه يحتضن حقيبته المدرسية، مستذكرا معها أيام طفولته ودراسته التي حرم منها عقب غزو تنظيم داعش لمدينته.
مجدل هو واحد من نحو ثلاثة آلاف طفل خطفهم تنظيم داعش في مطلع آب 2014 عندما سيطر على مناطق الايزيدية في سنجار شمال غربي محافظة نينوى، فقد الكثير منهم فرصة دراستهم بعد انقطاعهم عنها لسنوات او تأخرهم في اللحاق بها خلال الفترة التي قضوها من اعمارهم بين مراكز الاعتقال والتعذيب ومعسكرات التدريب.
حين تحرر مجدل من خاطفيه، كان قد مضى على ابتعاده عن الدراسة اربعة أعوام عاشها بين معسكرات التدريب الخاصة بأطفال تنظيم داعش ومواقع الاحتجاز. سنوات الأسر الطويلة تلك لم تمكنه من العودة للدراسة خاصة مع عدم وجود مدارس خاصة تؤهل من هم مثله وتمكنهم من اللحاق برفاقهم او تعويض بعض سنوات التوقف القسري تلك.
عاش مجدل طفولته المبكرة في قرية كوجو بسنجار التي تم تصفية غالبية الرجال والفتية فيها، والتي ماتزال جزءا من منطقة منكوبة يخيم على جوانبها الدمار، فالبيوت الطينية في القرى التي كانت تضم آلاف الأسر ماتزال خاوية من الحياة بعد نحو ستة أعوام من استباحتها على يد مقاتلي تنظيم داعش الذين قتلوا على جنباتها مئات الايزيديين في عمليات تصفية جماعية ورفعوا فوق بيوتها ومزاراتها الدينية التي تم تجريفها راياتهم السوداء.
يقول خالد تعلو (47 عامًا ) والذي فقد 19 فردا من عائلته “داعش قتل روح الحياة في سنجار، ذبح كل شيء جميل فيها، لم يسلم من شر هذا التنظيم لا الشجر ولا الحجر أو البشر، لقد أطفأوا سراج جميع المزارات والكنائس وذبحوا الشيوخ والشباب.. حجبوا عنها الشمس والحياة، وكان الضرر الاكبر من نصيب الأطفال الايزيديين“.
يضيف تعلو “عند الحديث عن سنجار، يتبادر إلى الذهن مباشرة، الاختطاف والذبح والتشريد، فداعش اختطف 6417 فردا وخلّف 80 مقبرة جماعية لم يتم بعد رفعها والتحقق من هويات من فيها“.
الاطفال تحت ظلم داعش
استخدم داعش الأطفالَ كدروع بشرية، أو كخدم في المعسكرات والبيوت، او حتى انتحاريين، فضلا عن عمليات غسل أدمغتهم ﺗماما عبر دروس دينية يومية لزرع ﺍﻟﺘﻄﺮّﻑ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ في عقولهم.
يروي مجدل بعض تفاصيل خطفه وحياته في ظل تنظيم داعش وتنقله مختطفا بين عدة مدن عراقية وسورية. يقول “كان صباح يوم 3 اب 2014 مؤلما، مازلت اسمع صرخات عائلتي وهم تتوسل اليهم… كان عمري 12 سنة، قضيت ثلاث سنوات تحت تعذيب داعش، علموني كيف اخدمهم وعلموني التدريب العسكري واستعمال السلاح“.
ويضيف :”تنقلت بين خمس معسكرات لاشبال الخلافة في العراق وسوريا (مدرسة أزاهير في تلعفر، معسكر المهتدين في الموصل، والمعهد الشرعي في البوكمال، ومعهد اشبال الخلافة ومعهد فاروق) ودرسوني القرآن والفقه الاسلامي، واجبورني على المشاركة في العديد من المعارك ضد القوات العراقية والقوات السورية، قبل ان اتحرر من التنظيم عقب سنوات من بحث عائلتي عني عن طريق مكتب إنقاذ المختطفين الايزيديين في دهوك“.
ويتابع متحدثا عن معاناته بعد التحرر “عندما اختطفني داعش كنت في الصف السادس الابتدائي، بعد ان نجوت من قبضة داعش قررت الالتحاق بالمدرسة مجددا لكن الأبواب كانت مغلقة في وجهي بذريعة تجاوز العمر” .
عائق قانوني
نحو 500 طفل من الناجين يواجهون مشاكل وتحديات عديدة في العودة إلى التعليم، أبرزها ما يتعلق بمسألة السن القانوني، حيث لم يصدر اي قانون من حكومة (بغداد – اربيل) لترتيب أوضاع هؤلاء الاطفال الذين يواجهون مستقبلا مجهولا في ظل غياب وجود مدارس خاصة لاستقبال هذه الحالات.
يقول محمود صالح مدير تربية سنجار للدراسة العربية وكالة: “يراجعنا الكثير من الاطفال الناجون من براثن داعش بهدف الالتحاق بالمدرسة ولأن أعمارهم تجاوزت السن المسموح بها وباتوا في عمر لا يلائم التعليم الابتدائي وفقاً للشروط والضوابط لا يتم قبولهم“.
ويضيف :”نحن نعرف الاسباب القاهرة لتخلفهم عن الدراسة ولكن ليس هناك أيّ قانون نستند إليه في السماح لهم بالاستمرار في التعليم ونتمنى من البرلمان العراقي ان يراعي محنة هؤلاء الاطفال ويشرع قانون خاص يسمح لهم بالانخراط في التعليم بغض النظرعن شرط العمر“.
الواقع والمستقبل
يقول مجدل: الان انا اعمل في الزراعة وأحيانا كعامل بناء، لكن الشيء الذي يحز في قلبي هو لماذا لا استطيع الاستمرار في التعليم وما هو ذنبي، اذا سنحت لي الفرصة سأهاجر بعيدا واترك وطني ومقبرة عائلتي“.
شرين احمد (17 عاما) كانت ملتحقة بالدراسة العربية، وشقيقها مالك (13 عاما) كان ملتحقا بالدراسة الكردية، في قرية كوجو، قضوا سنوات في قبضة داعش وبعد تحررهما ورغم وجود رغبة كبيرة لديهما للالتحاق مجددا بالمدرسة الا انه لم يسمح لهما بسبب كبر سنهما مقارنة برفاقهم.
يرى محمود صالح ان حل هذه المشكلة يكمن في التركيز على برامج التعليم العاجل، والتقديم للدراسة الخارجية، وقد تم افتتاح مدرستين للتعليم السريع في سنوني بقضاء سنجار. لكن الاطفال الايزيديين ينتشرون في نحو 20 مخيما وليسوا في سنوني فقط.
ويضيف :”تتضمن احدى فقرات المشروع المقترح لقانون الناجيات الايزيديات الذي قدمه رئاسة الجمهورية للبرلمان العراقي، حق هؤلاء الاطفال بالتعليم ويستثنيهم من الشروط ولكن لم يشرع القانون لحد الآن“.
في ذات السياق يقول حسين قائيدي، مدير مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين في دهوك: “لقد منحنا هؤلاء كتب رسمية نؤيد فيه بانهم متحررون من قبضة داعش وبكل اسف لا يوجد اي قانون في وزارة التربية ينصفهم“.
بعد مرور ست سنوات على ارتكاب داعش لجريمة الابادة الجماعية بحق الايزيديين في سنجار، مايزل مصير الطلبة الذين نجوا من مخالب داعش معلقا والعدد في تزايد، فحسب احصائيات مكتب انقاذ المختطفين وصل عدد الاطفال الناجين والذين تترواح اعمارهم/ن من 6 الى 18 سنة الى نحو 500 طفل وطفلة قسم منهم هاجروا الى خارج البلاد لعدم توفر الرعاية اللازمة لهم هنا.
من سبية الى رسامة
بين ضحايا غياب وجود مدارس للأطفال الايزيديين الذين انقطعوا عن الدراسة، دنيا حجي (17 عاما) من خانصور، تقول “كنت طالبة في الصف السادس الابتدائي قبل الغزو، في اليوم الاول للهجوم على سنجار تم اختطافي مع عائلتي وعوائل أخرى، كان عددنا يبلغ نحو 80 شخصا من الذكور والاناث، اجهل اليوم مصير الكثير منهم“.
وتضيف “قضيت ثلاث سنوات ونصف في قبضة التنظيم وتعرضت لابشع الانتهاكات والجرائم خلال فترة الاختطاف قبل ان أتحرر في عام 2017 … حاولت بعدها ان اعود الى دراستي في مخيم ايسيان للنازحين حيث تعيش عائلتي اليوم لكن رفضوني بحجة كبر السن، فجلست في الخيمة التي تشبه الجحيم“.
وتواصل :”شجعني والدي ان اشغل نفسي بأي شيء آخر وان لا استسلم، بدأت بالرسم لكي افضح التنظيم بريشتي وشاركت لحد الان بأكثر من معرض فني“.
استخدم تنظيم داعش النساء الايزيديات كسبايا وعرضهن في اسواق النخاسة ما بين العراق وسوريا وقام بيعهن لمقاتلي التنظيم وعرض بعضهن للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعد قرية كوجو التي تقع جنوب مركز مدينة سنجار بمسافة 20 كم، القرية الاكثر تضررا حيث كان يعيش فيها نحو 300 عائلة تضم 1738 شخصا، اختطف داعش 1148 فردا منهم، تحرر 537 شخصا من اهالي القرية خلال السنوات الماضية القسم الاكبر منهم كانوا اطفالا، معظمهم مازالوا منقطعين عن الدراسة.
يقول خلف درويش مدير مدرسة قرية كوجو، ان القرية قبل “غزة داعش” كانت تضم ثلاثة مدارس يدرس فيها 486 طالبا وطالبة بالعربية والكردية، والآن لا تضم اي مدرسة.
ويوضح درويش الذي يعيش حاليا في مخيم ايسيان بدهوك، ان “التنظيم اختطف 10 من معلمي القرية نجا منهم اثنان فقط هاجرا لاحقا الى خارج اقليم كردستان“، مشيرا الى انه لا يوجد الان في القرية اي معلم، وتم تحويل احدى المدارس من قبل الحكومة العراقية الى متحف خاص بالابادة الجماعية.
مجدل خليل، الذي فقد الأمل في متابعة دراسته، يوثق اليوم عبر موبايله صوره وهو يعمل في الحقل الزراعي، كما كان قد احتفظ بصور له عندما كان في قبضة التنظيم وهو يتدرب في معسكرات التنظيم على الاسلحة وهو يرتدي ملابس أفغانية. يقول “لم يتغير الكثير، ولم أحقق شيئا مما حلمت به.. مازلت اعمل لأعيش، وربما لأوثق صور الجحيم الذي يحيط بي“!
- هذا العمل من نتاجات مشروع ( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة (MICT) الأكاديمية الألمانية للإعلام بالتعاون مع (IOM ) منظمة الهجرة الدولية سنة 2020 .